آخر الأخبار

مشروع قانون فرنسي جديد لتلميع صورة "الحركى" وتبييض جرائمهم في الجزائر

شارك
بواسطة كريم معمري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: كريم معمري

مشروع قانون فرنسي جديد لتلميع صورة “الحركى” وتبييض جرائمهم في الجزائر

الجزائرالٱن _ مرة أخرى، تُظهر فرنسا أن ذاكرة استعمارها للجزائر ليست عبئًا على ضميرها، بل ورقة سياسية تستخدمها كلما احتاجت إلى شدّ العصب اليميني أو التغطية على إخفاقاتها الداخلية. فبعد أن اعترفت شكليًا بمسؤوليتها عن “ظروف استقبال الحركى”، عادت اليوم لتلوّح بورقة جديدة، في مشروع قانون يسعى إلى إنشاء “مؤسسة وطنية لذاكرة الحركى”، وكأنها تحاول إعادة كتابة التاريخ من منظور الضحية لا الجلاد.

مصدر الصورة

المبادرة يقودها النائب اليميني ميشيل مارتيناز، ومعه عشرات النواب من الكتلة المحافظة، الذين قدّموا المشروع رقم 1910 إلى الجمعية الوطنية الفرنسية ، تحت شعار “الاعتراف والاحترام”، في وقتٍ تعرف فيه فرنسا أزمة هوية عميقة لا تجد فيها سوى الماضي الاستعماري لتعيد تسويقه كـ”مجد حضاري”.

من تعويضات مادية إلى هندسة ذاكرة استعمارية

ينصّ المشروع على إنشاء مؤسسة تُعنى بجمع الأرشيفات وتنظيم الفعاليات والأبحاث حول “معاناة الحركى”، أي أولئك الذين تعاونوا مع جيش الاحتلال ضد أبناء وطنهم خلال حرب التحرير الجزائرية.

ويبدو أن باريس تسعى من خلال هذا التحرك إلى تحويل ملف الحركى من صفحة مظلمة في تاريخها إلى أداة سياسية لتشويه ذاكرة الجزائريين.

فالخطاب الرسمي الذي يتبنّاه مقدّمو المشروع يقوم على فكرة “الضحايا”، متناسين أن الحركى كانوا جزءًا من آلة الاستعمار التي مارست أبشع الجرائم في الجزائر، من الإبادة والتعذيب إلى النفي والتجويع.

أما حديث النواب عن “الألم المعنوي” و”صون الذاكرة” فليس سوى محاولة لتبرئة فرنسا من ماضيها الدموي عبر منح الخونة صفة الشهداء.

تلميع الحركى… ومحو ذاكرة الجزائريين

المشروع يستند إلى قانون 23 فيفري 2022 الذي اعترفت فيه فرنسا بمسؤوليتها عن ظروف استقبال الحركى بعد الحرب، لكنه يتجاوز اليوم التعويض المالي إلى ما هو أخطر: إعادة بناء الرواية التاريخية من جديد.

فالحديث عن “تعذيب وقتل وانتقام” ضد الحركى بعد اتفاقيات إيفيان يهدف إلى تصوير الجزائر المستقلة كمنبع للعنف، وطمس حقيقة أن هؤلاء كانوا أداة استعمارية استخدمت ضد أبناء جلدتهم.

إنها محاولة لتزييف الذاكرة الجماعية وإعادة رسم الحدود الأخلاقية بين “الجلاد والضحية”، في وقتٍ لم تُقدّم فيه فرنسا أي اعتذار رسمي عن جرائمها في الجزائر، ولم تفتح أرشيفها العسكري الكامل حول فترة الاحتلال.

مؤسسة بوجه إنساني وبنية استعمارية

يُشبه المشروع الجديد مؤسساتٍ فرنسية أُنشئت لتأطير الذاكرة الرسمية مثل “مؤسسة ذاكرة العبودية” و”مؤسسة ذاكرة المحرقة”، لكن الفارق أن فرنسا هنا لا تكرّم ضحاياها، بل تُمجّد أدواتها الاستعمارية.

فالمؤسسة المقترحة ستُموّل من أموال عمومية ومنح خاصة، وستُكلف بجمع الأرشيفات وتنظيم الفعاليات الأكاديمية والثقافية، في إطار ما يُسمى بـ”حماية كرامة الحركى”.

بهذا الشكل، تريد باريس أن تُضفي الشرعية على الخيانة، وتحوّل من تعاون مع المحتل إلى رمز إنساني يستحق التكريم والتمويل، متجاهلة ملايين الجزائريين الذين ما زالوا يبحثون عن رفات شهدائهم في مقابر جماعية طمرتها القوات الفرنسية قبل ستة عقود.

تاريخ لا يُمحى وماضٍ يطارد فرنسا

إن حديث النواب الفرنسيين عن أن “الزمن يمضي بسرعة وشهود تلك الحقبة يختفون” ليس سوى محاولة مستعجلة لإغلاق الملف قبل أن تتكشف كل حقائق الاحتلال.

فرنسا التي ترفض الاعتذار، وتتنكر لجرائمها، وتُجرّم الباحثين الذين ينبشون في الذاكرة الاستعمارية، تعود اليوم لتُقدّم نفسها كدولة متصالحة مع التاريخ، بينما هي في الحقيقة تؤسس لجهاز جديد لتزييف الذاكرة وتمجيد الخيانة.

لقد أثبتت هذه الخطوة أن باريس ما زالت أسيرة ماضيها الاستعماري، وأنها كلما اقتربت الجزائر من تعزيز سيادتها وذاكرتها الوطنية، أخرجت فرنسا من أرشيفها ملف الحركى لتذكّر نفسها بأنها كانت “قوة عظمى”.

لكنّ التاريخ لا يُكتب بالقوانين، بل بدماء الشهداء الذين حرروا الأرض، وذاكرة الشعوب التي لا تُشترى بالمِنح ولا تُمحى بالتشريعات.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا