فوز يمينية متطرفة بجائزة نوبل للسلام يثير عاصفة من الغضب
الجزائرالٱن _ لم تكن ردود الفعل على إعلان فوز ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام لعام 2025 مجرد استياء عابر أو تحفظ دبلوماسي.
كانت عاصفة من السخط والسخرية اجتاحت أوساط النشطاء والمراقبين الذين رأوا في القرار دليلًا قاطعًا على تحول الجائزة العريقة إلى ورقة توت سياسية تُستخدم لتلميع وجوه داعمي السياسات العدوانية.
المنتقدون، وعلى رأسهم نشطاء مناهضون للعقوبات الاقتصادية والتدخلات العسكرية، لم يخفوا صدمتهم واستنكارهم. بالنسبة لهم، منح هذه الجائزة لسياسية يمينية فنزويلية متطرفة معروفة بمواقفها المثيرة للجدل يعني شيئًا واحدًا: الجائزة لم تعد تعني ما كانت تعنيه يومًا.
ناشط فنزويلي أمريكي يفجّر غضبه: “أداة لتغيير الأنظمة”
في مقال حمل عنوانًا استفزازيًا “معنى السلام عندما يفوز اليمينيون بجائزة نوبل”، صبّ ميشيل إلنر، الناشط الأمريكي من أصول فنزويلية، جام غضبه على القرار الذي وصفه بالفاضح. لم يستخدم إلنر لغة دبلوماسية أو منمقة، بل ذهب مباشرة إلى قلب الموضوع واصفًا الفائزة بعبارات قاسية.
قال إلنر إن ماتشادو ليست إلا “الوجه الباسم لآلة تغيير الأنظمة في واشنطن”، وأنها “المتحدثة الأنيقة باسم العقوبات والخصخصة والتدخل الأجنبي الذي يتخفّى في ثوب الديمقراطية”.
هذا التوصيف الجارح يكشف عن رؤية الناشط لما يعتبره تواطؤًا بين المؤسسات الغربية والأجندات السياسية التي تخدم مصالح القوى الكبرى .
عندما يصبح الانقلاب طريقًا نحو “السلام”
من بين أبرز ما أثاره إلنر في انتقاداته كان التذكير بماضي ماتشادو السياسي. فقد أشار الناشط إلى أن الفائزة بالجائزة كانت من بين قادة محاولة انقلابية فاشلة عام 2002 استهدفت الإطاحة بالرئيس هوغو تشافيز، الذي كان قد وصل إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية.
الأمر لم يتوقف عند المشاركة فقط، بل ذهبت ماتشادو، وفق ما يقول إلنر، إلى التوقيع على مرسوم قضى بإلغاء الدستور وحل المؤسسات العامة. هذا السجل، في نظر المنتقدين، يجعل من منحها جائزة للسلام أمرًا يتجاوز المفارقة إلى السخرية المطلقة.
دعم العقوبات: “حرب صامتة” ضد الشعوب
لكن موقف ماتشادو من الانقلاب لم يكن الاتهام الوحيد الذي وجهه لها إلنر. فقد انتقدها بشدة لتأييدها العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على فنزويلا، تلك العقوبات التي وصفها بأنها “أداة حرب صامتة”.
بحسب الناشط الفنزويلي الأمريكي، فإن هذه العقوبات تسببت في وفاة الآلاف من الفنزويليين بسبب حرمانهم من الغذاء والدواء والطاقة. السؤال الذي طرحه المنتقدون ببساطة: كيف يمكن لمن يدعم سياسة تقتل الناس بالجوع والمرض أن يُوصف بصانع السلام؟
استنجاد بالكيان الصهيوني لـ”تحرير” فنزويلا بالقنابل
لعل أكثر ما أثار الصدمة والاستهجان كان ما كشفه إلنر عن دعوة ماتشادو الصريحة للتدخل العسكري الخارجي في بلادها. لم تكتف الفائزة بالجائزة بالدعوة العامة لتدخل أجنبي، بل توجهت، وفق ما يقول الناشط، إلى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني شخصيًا، مناشدة إياه المساعدة في “تحرير فنزويلا بالقنابل”.
هذا الموقف وحده، في نظر المنتقدين، كافٍ لنزع أي شرعية أخلاقية عن منحها جائزة تحمل اسم “السلام”. إلنر ذهب أبعد من ذلك، مشيرًا إلى أن ماتشادو “اصطفت بشكل علني” مع الكيان الصهيوني في وقت تواجه فيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة، حيث تُقصف المستشفيات ويُقتل المدنيون.
تحالف قوى يخفي العنف خلف شعارات براقة
لم يتعامل إلنر مع قرار منح الجائزة لماتشادو كحادثة منفردة أو خطأ في التقدير. على العكس، رأى فيه جزءًا من نمط أوسع وأخطر. قال الناشط إن الجائزة تعكس “تحالفًا عالميًا بين الفاشية والصهيونية والليبرالية الجديدة”، تحالف يعمل، في رأيه، على “تبرير الحروب والهيمنة باسم الديمقراطية والسلام”.
هنا استخدم إلنر سلاح السخرية اللاذعة ليوصل رسالته. قال بنبرة ساخرة: “إذا كان بإمكان هنري كيسنجر أن يفوز بجائزة السلام، فلماذا لا تُمنح لماريا كورينا ماتشادو؟” ثم أضاف في قمة السخرية: “ربما تُمنح العام المقبل لمؤسسة غزة الإنسانية تقديرًا لتعاطفها تحت الاحتلال”.
“السلام الحقيقي يُصنع على الأرض لا في القاعات الفخمة”
لكن انتقادات إلنر لم تقتصر على ماتشادو أو لجنة نوبل، بل امتدت لتشمل رؤية أوسع حول من هم صانعو السلام الحقيقيون. في نظره، فإن الجائزة “لم تعد تكرّم دعاة السلام الحقيقيين”، بل أصبحت تُمنح لـ”المهندسين السياسيين للعنف المتخفّي في ثوب الدبلوماسية”.
اعتبر الناشط أن منح الجائزة لماتشادو يمثل “إهانة” لأولئك الذين يخاطرون بحياتهم فعليًا من أجل إنقاذ الآخرين، مثل المسعفين والصحفيين والعاملين الإنسانيين في غزة. هؤلاء، في رأيه، هم من يستحقون التكريم، لا من يدعو لمزيد من القصف والدمار.
رسم إلنر صورة مغايرة تمامًا لصانعي السلام الحقيقيين، قائلًا إن السلام الحقيقي “لا يُصنع في القاعات المغلقة، بل على الأرض”. تحدث عن النساء اللواتي ينظمن شبكات الغذاء خلال الحصار، والمجتمعات الأصلية التي تدافع عن مواردها الطبيعية ضد الاستغلال، والعمال الذين يقاومون سياسات الجوع، والأمهات اللواتي يبحثن عن أطفالهن الذين فُقدوا بسبب سياسات الهجرة القاسية.
الكرامة أولًا
اختتم إلنر مقاله برسالة واضحة وصريحة. قال إن منح الجائزة لماتشادو “يكشف نفاق المؤسسات الغربية التي تساوي بين الخضوع والسلام”. وأكد أن شعوبًا مثل الشعب الفنزويلي والكوبي والفلسطيني “تستحق سلامًا قائمًا على الكرامة والسيادة لا على العقوبات والخصخصة”.
بهذه الكلمات، حاول الناشط الفنزويلي الأمريكي أن يوصل رسالة مفادها أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يُبنى على الخضوع والاستسلام لإرادة القوى الخارجية، بل يجب أن يكون نابعًا من احترام كرامة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها بعيدًا عن التدخلات والضغوط والعقوبات.
هذا الغضب الذي عبّر عنه إلنر وآخرون يعكس شعورًا متزايدًا بأن المؤسسات الدولية الكبرى، بما فيها لجنة نوبل، فقدت بوصلتها الأخلاقية وباتت تخدم أجندات سياسية بدلًا من القيم الإنسانية النبيلة التي من المفترض أن تمثلها.