الجزائرالٱن _ سجل محصول القمح اللين الفرنسي صيف 2025 ارتفاعًا كبيرًا بلغ 33.4 مليون طن، أي زيادة تقارب 30% مقارنة بالعام الماضي، لكن هذا التفوق الإنتاجي لم يترجم إلى انتعاش سوقي. فقد كانت الجزائر لعقود المستورد الأكبر للقمح الفرنسي خارج الاتحاد الأوروبي، لكن التوترات الدبلوماسية الأخيرة أدت إلى تراجع وارداتها بشكل حاد، ما يترك فائض الإنتاج الفرنسي بلا منفذ مضمون.
وفقًا لمجموعة التحليلات المتخصصة “أرغوس ميديا”، فإن فرنسا بحاجة لتصدير نحو 9.5 ملايين طن للحفاظ على توازن السوق ، لكن غياب الجزائر يحد من قدرتها على تحقيق ذلك، ويجعل الصادرات المحتملة لا تتجاوز 8 ملايين طن، مع منافسة دولية شديدة وإغلاق أسواق تقليدية.
المغرب تحت ضغط فرنسا
مع ابتعاد السوق الجزائرية، تجد باريس نفسها أمام مأزق حقيقي لتصريف فائض القمح الفرنسي، ما يدفعها إلى توجيه ضغوط مباشرة على المغرب لشراء القمح، حتى لو كان ذلك على حساب أولويات أخرى للشعب المغربي.
وتمتلك فرنسا أدوات متعددة للضغط على الرباط، على رأسها النفوذ السياسي والاقتصادي المرتبط بقضية الصحراء الغربية، والتي يمكن أن تستخدمها في مفاوضات استيراد القمح لضمان مصالحها.
ويظهر أن باريس لا تسعى فقط لتأمين تصريف الفائض الإنتاجي، بل تستخدم المغرب كأداة لتحقيق أهدافها الاقتصادية الاستراتيجية، مستغلة هشاشة بعض القطاعات الزراعية المغربية بسبب الجفاف. هذا الضغط يضع المغرب أمام معضلة صعبة: إما تلبية الطلب الفرنسي وتحمل آثار ذلك على الأمن الغذائي الوطني أو مواجهة خسائر اقتصادية محتملة قد تؤثر على استقرار السوق المحلي.
من زاوية أوسع، يمكن اعتبار هذه الديناميكية مثالًا على كيفية توظيف الدول الكبرى نفوذها الجيوسياسي لضمان مصالحها الاقتصادية، حيث يصبح الشعب المغربي غير مباشر ضحية لأزمات خارجية وابتزاز اقتصادي، في وقت يحتاج فيه إلى التركيز على تلبية احتياجاته الأساسية من الغذاء والطاقة.
فقدان الجزائر وأثره الاستراتيجي
الجزائر كانت المستورد الأكبر للقمح الفرنسي، إذ بلغت وارداتها 5.6 ملايين طن في موسم 2019-2020، قبل أن تتراجع إلى 1.8 مليون طن في 2023-2024. هذا التراجع يمثل خسارة استراتيجية لباريس ويزيد من تعقيد جهودها التسويقية، في وقت تعمل الجزائر على تعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليص الاعتماد على الواردات، وفق خطط الرئيس عبد المجيد تبون ووزير الفلاحة يوسف شرفة، مما يجعل أي محاولة فرنسية لاستعادة السوق الجزائرية صعبة المنال.
فائض الإنتاج وضغوط السوق الدولية
مع فائض الإنتاج الكبير، تواجه فرنسا صعوبة في تسويق كامل المحصول. أي إخفاق في إيجاد بدائل مناسبة قد يؤدي إلى تراكم المخزون، انخفاض الأسعار المحلية، وزيادة الخسائر المالية للمزارعين والمنظمات البينية لقطاع الحبوب. غياب السوق الجزائرية يضع باريس أمام خيارين غير مريحين: إما إيجاد أسواق بديلة والحل قد يكون في المغرب الذي تشير المعطيات إلى سعيه لرفع كمية الاستيراد إلى 7.5 مليون طن، أو مواجهة أزمة تصدير تهدد الاستقرار الاقتصادي للقطاع الزراعي الفرنسي.
مأزق استراتيجي بلا حلول سهلة
غياب الجزائر عن خريطة التصدير الفرنسية يضع باريس في موقف حرج، يجبرها على التحرك بسرعة لتجنب خسارة كبيرة في الإيرادات الزراعية. المغرب قد يتحمل عبء فائض القمح الفرنسي، لكن ذلك سيكون على حساب تلبية احتياجات السكان الأساسية، مما يزيد من حدة المخاطر السياسية والاجتماعية في المنطقة. أزمة القمح الفرنسي تكشف هشاشة الاعتماد على سوق واحد وتبرز التعقيدات التي تواجه باريس في إدارة فائضها الإنتاجي في ظل تحولات دبلوماسية حادة.