في خطوة استراتيجية نحو مواكبة التطورات العالمية وتلبية احتياجات سوق العمل المحلية، كشفت وزارة التكوين والتعليم المهنيين عن مذكرة تأطيرية شاملة للدخول التكويني لدورة أكتوبر 2025، تحمل في طياتها رؤية جديدة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في منظومة التكوين المهني بالجزائر.
وتأتي هذه المذكرة ، التي أصدرها وزير التكوين والتعليم المهنيين الدكتور وليد ياسين، في سياق اقتصادي وطني واعد يشهد نموا ملحوظا، وفي ظل التحولات العالمية المتسارعة في سوق العمل المدفوعة بالثورة الصناعية الرابعة وانتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ووصف الوزير هذا الدخول التكويني المقبل بأنه “محطة مفصلية في مسيرة إصلاح وتطوير قطاع التكوين والتعليم المهنيين”، مؤكدا على أهمية تحقيق ملاءمة شاملة بين مخرجات التكوين المهني واحتياجات سوق العمل الفعلية.
تتبنى المذكرة الجديدة مقاربة علمية مدروسة تقوم على إعادة توجيه العروض التكوينية نحو القطاعات الاستراتيجية ذات الأولوية الوطنية. فقد شهد قطاع الصناعة زيادة مهمة بنسبة 55% في عدد المتكونين، بينما يستهدف قطاع الفلاحة والصناعات الغذائية تكوين 35,000 متخصص سنويًا.
كما سيشهد قطاع البناء والأشغال العمومية والري زيادة تبلغ 35% في عدد المتربصين، فيما تطمح الوزارة إلى تكوين 5,000 متخصص في مجال الطاقات المتجددة خلال السنوات الخمس القادمة، و20,000 متخصص في المهن الرقمية خلال ثلاث سنوات.
في المقابل، ستشهد تخصصات الإدارة والتسيير تقليصًا تدريجيًا بنسبة 30%، وذلك في إطار إعادة التوازن لتلبية الحاجات الفعلية للاقتصاد الوطني.
تتضمن المذكرة تحولا جذريا في منهجية التكوين، حيث ستصبح المهارات الرقمية مكونًا أساسيًا في جميع برامج التكوين، بالإضافة إلى إدراج وحدات تكوينية في المهارات الناعمة مثل التواصل الفعال، العمل الجماعي، حل المشكلات، والتفكير النقدي.
وفي خطوة مهمة نحو التطوير، ستعتمد المنظومة الجديدة المقاربة بالكفاءات بشكل كامل، مع إلغاء النظام السداسي التقليدي واستبداله بنظام تقييم مستمر يضمن تقييمًا أكثر دقة وواقعية لمستوى المتكونين.
من أبرز ما تتضمنه المذكرة الإطلاق الرسمي للمرجع الوطني للتكوينات والكفاءات (RNFC)، الذي سيحل محل المدونة الوطنية للشعب والمهن. يهدف هذا المرجع الجديد إلى تقسيم التكوينات إلى كتل من الكفاءات القابلة للتقييم والاعتماد، وضمان تجانس برامج التكوين، وتكريس المقاربة بالكفاءات، وتسهيل الإدماج المهني للخريجين.
تتماشى المذكرة مع توجهات الرقمنة الحديثة، حيث ستتم جميع عمليات التسجيل عبر منصة takwin.dz، كما سيتم إطلاق منصة ثانية tamhin.dz لتسهيل ربط الشباب الراغبين في التكوين بنمط التمهين مع المؤسسات الاقتصادية.
ويحتل التكوين عن بعد مكانة مهمة في الاستراتيجية الجديدة، حيث تستهدف الوزارة وصول 30,000 متكون في هذا النمط، مع تطوير 100 محتوى رقمي جديد وتكوين 1,000 مؤطر على تقنيات التعليم الرقمي.
وتولي المذكرة اهتماما خاصا بتطوير قدرات المكونين، حيث سيخصص شهر سبتمبر 2025 بالكامل لبرنامج مكثف لتكوين المكونين، يركز على التحكم في المقاربة بالكفاءات، استخدام التقنيات الرقمية في التعليم، والتطورات التكنولوجية الحديثة.
تتميز المذكرة بتركيزها على الشمولية، حيث تخصص عناية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة والأشخاص التوحديين من خلال تخصيص فروع بيداغوجية خاصة، تكوين مكونين متخصصين، تطوير برامج مكيفة، تخصيص 5% من المقاعد البيداغوجية، وتهيئة 100 مؤسسة لتكون قابلة للولوج الشامل.
كما تتيح المذكرة لحاملي مستوى الثانية أو الثالثة ثانوي مزاولة جميع التخصصات المتاحة، مما يوسع من فرص الالتحاق بالتكوين المهني.
تواصل الوزارة جهودها في تنمية روح المقاولاتية من خلال إطلاق 180 مركزًا لتنمية المقاولاتية لمرافقة 10,000 حامل مشروع سنويا، مما يسهم في خلق فرص عمل جديدة ودعم الاقتصاد الوطني.
ستعمل 16 مركز امتياز مبرمجة على توفير تكوين عالي الجودة في القطاعات ذات الأولوية، بينما سيشهد مسار التعليم المهني توسيعًا في عدد التخصصات المتوفرة لتشمل مجالات استراتيجية مثل الفلاحة، الميكانيك، الطاقة، السياحة، والإعلام الآلي.
تمتد فترة التسجيلات من 27 جويلية إلى 27 سبتمبر 2025، مع تخصيص خلية يقظة للرد عن بعد على استفسارات المترشحين، ومتابعة دقيقة للتسجيلات، ودعم مستشاري التوجيه.
وتؤكد وزارة التكوين والتعليم المهنيين التزامها بتحويل التحديات إلى فرص، من خلال توفير الكفاءات المتخصصة ودعم التحول نحو الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، وتطوير المهارات في مجالات المستقبل، وتعزيز ثقافة المقاولاتية والابتكار.