آخر الأخبار

سيول آسفي تكشف هشاشة البنى التحتية ومطالب بإعلانها منطقة منكوبة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

آسفي- صُنفت خسائر كارثة السيول المفاجئة التي أصابت البلدة القديمة في آسفي بأنها من بين الأشد التي عرفها المغرب خلال فيضانات العقد الأخير، فقد وجد عدد كبير من السكان أنفسهم بلا مأوى، بعد أن ألحقت السيول أضرارا جسيمة بمنازلهم، جعلت بعضها غير صالح للسكن، في حين أصبحت أخرى مهددة بالانهيار.

وكشف الفيضان الذي تسببت فيه السيول هشاشة البنية التحتية بالبلدة القديمة، حيث عجزت شبكات تصريف مياه الأمطار عن استيعاب الكميات الكبيرة المتدفقة في وقت وجيز، ما أدى إلى تسرب المياه إلى الأزقة والمنازل والمحلات بسرعة قياسية، وهو ما أعاد إلى الواجهة أسئلة قديمة حول غياب الصيانة الدورية والاستعداد لمواجهة مخاطر الفيضانات.

وتعددت انطباعات مواطنين بمدينة آسفي، التي وصفت بـ"الحزينة"، وهم يروون للجزيرة نت تفاصيل ليلة ويوم خلفت حالة من الحزن والصدمة بين السكان، الذين باتوا يعيشون منذ الأحد 14 ديسمبر/كانون الأول في حالة خوف وفقدان وترقب.

وقال زيان الذي يشغل منصب أمين التجار بالمدينة "رأيت الموت بعيني، لقد كنت حاضرا بعين المكان أثناء انتشال الجثث، كان مشهد السيول مروعا"، وشدد على أن "هذه الفاجعة تستوجب محاسبة حقيقية، ودراسة تقنية جادة".

مسببات الكارثة

يربط أمين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بآسفي مصطفى أبامني، ما حل بالمدينة القديمة بمشاكل بنيوية على مستوى وادي الشعبة، الذي يشكل المنفذ الطبيعي للمياه نحو البحر، ويشير إلى أن انسداد مجرى الوادي بالأوحال والأتربة والحجارة والنفايات أدى إلى تغيير في مساره.

ويشير في حديثه للجزيرة نت على أن السلطات كان بإمكانها على الأقل تنظيف هذا المجرى قبل التساقطات، خاصة مع صدور نشرات إنذارية مسبقة، مشيرا إلى وجود مقاطع فيديو توثق انسداد طريق الوادي.

ويؤكد رئيس اتحاد التجار والمهنيين بالمغرب محمد زيان أن الخسائر المادية كانت جسيمة، خاصة في صفوف التجار الذين تعرضت محلاتهم للغمر والتخريب، وانتقد ما اعتبره "تقصيرا" في التعامل مع مجرى وادي الشعبة"، مذكرا بأنه مجرى تاريخي معروف كان من المفروض الحفاظ عليه وتنظيفه.

إعلان

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن عددا من التجار حوصروا داخل محلاتهم، وسُجلت وفيات داخل بعضها، بعدما لجأ بعض الضحايا إلى إغلاق الأبواب الحديدية لمحلاتهم، في محاولة منهم للاحتماء، غير أن قوة المياه فاقت كل التوقعات.

وبحسب مؤرخين مغاربة، فقد شهدت مدينة آسفي خلال القرون الثلاثة الأخيرة 4 فيضانات كبرى، كان مصدرها جميعا وادي الشعبة، وكان آخرها سنة 1927، والذي داهمت فيه السيول المدينة على حين غرة، وأغرقتها بدون أن تستثني مسكنا أو متجرا.

مصدر الصورة شبكات تصريف مياه الأمطار عجزت عن استيعاب الكميات الكبيرة المتدفقة في وقت وجيز (الجزيرة)

حلول جذرية

ويصف الناشط في المجتمع المدني ياسين بنشقرون تفاصيل الليلة الأولى، ويقول إن آسفي "لم تعش مثل هذا الوضع من قبل"، مشيرا إلى أن "الكارثة كانت متوقعة، مع ذلك لم يتم التعامل معها بالجدية اللازمة".

وأضاف في حديثه للجزيرة نت "من المعروف أن هذا المكان عبارة عن واد، وكان من الواجب اتخاذ التدابير اللازمة، خصوصا مع النشرات الإنذارية التي سبقت هذه التساقطات، من قبيل تنظيف قنوات الصرف الصحي والمجاري العمومية، وإزالة العراقيل الموجودة في الشارع العام".

بدوره يرى الناشط الحقوقي مصطفى أبامني أنه "لا بد من إنجاز دراسة تقنية لإيجاد حل جذري لمشكل تصريف المياه، حتى لا تبقى المدينة العتيقة عرضة لخطر قاتل، وحتى لا يتحول باب الشعبة إلى مصيدة للموت، بسبب ضيق الممرات والأبواب".

ويشير المتحدث إلى أن السلطات قامت بمعاينة المكان لإيجاد حلول مستعجلة، خاصة في ظل استمرار الإنذار بعواصف ومنخفض جوي قوي، "لكن هذا كله جاء متأخرا، إذ كان من المفترض أن تُنجز هذه الأشغال الوقائية قبل وقوع الكارثة" حسب قوله.

كما يحذر الناشط الحقوقي من خطر تشبع المنازل القديمة بالمياه، ما قد يجعلها مهددة بالانهيار.

مصدر الصورة أرقام الضحايا لا تزال غير نهائية في ظل وجود مفقودين (الجزيرة)

أعداد الضحايا

أسفرت الفيضانات عن مصرع 37 شخصا، وفق السلطات المحلية، في حصيلة مرشحة للارتفاع في ظل وجود مفقودين، والعثور على جثامين لفظها البحر بعدما وصلت إليه بفعل السيول.

وتقدم رئيس الحكومة عزيز أخنوش بالتعازي لعائلات الضحايا، متمنيا الشفاء للمصابين، وقال إن "ما وقع هو قدر، بعد تسجيل المدينة 37 ميلي مترا من التساقطات المطرية في وقت وجيز".

بدورها خاطبت النائبة البرلمانية فاطمة التامني وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي، خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، أمس الثلاثاء، معتبرة أن الأرقام المعلنة بخصوص ضحايا فيضانات آسفي "غير دقيقة"، وأن الحصيلة الحقيقية أكبر من ذلك.

وأوضحت للجزيرة نت، أن عددا من الضحايا "لم يفارقوا الحياة أثناء انتشالهم، بل بعد وصولهم إلى المستشفى"، مرجعة ذلك إلى ضعف التجهيزات، كما أشارت إلى زيارة ميدانية إلى المستشفى الذي استقبل الضحايا، مؤكدة أن "من بينهم مشردين، وأشخاصا في وضعية هشة، من ضمنهم مختلون عقليا".

كما قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أمس الثلاثاء، إن المعطيات التي وصلتها من مصادر محلية وإفادات ميدانية تشير إلى حصيلة أعلى قد تصل إلى 47 وفاة، مع التأكيد على أن هذه الأرقام غير نهائية، في ظل وجود مفقودين.

إعلان

وأرجعت الجمعية الحقوقية هذا التباين في الأرقام إلى ما وصفته بغياب المعلومة الرسمية الدقيقة، والتأخر في تحديث المعطيات منذ صباح الاثنين.

منطقة منكوبة

يطالب نواب برلمانيون وسياسيون وحقوقيون بإعلان مدينة آسفي "منطقة منكوبة"، في ظل استمرار تهديد الكوارث للسكان، وتدهور الأوضاع بالمدينة القديمة.

وأكد رضا بوكمازي، المستشار في المجلس البلدي بآسفي، على أن "أهم خطوة ينبغي اتخاذها في المرحلة القادمة هي تصنيف الواقعة من قبل الحكومة ككارثة طبيعية"، وقال للجزيرة نت "نتمنى أن تبادر الحكومة إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لتصنيف هذه المنطقة منكوبة".

من جهتها أعلنت النيابة العامة بآسفي عن فتح تحقيق في موضوع الكارثة بواسطة الشرطة القضائية، "للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا الحادث الأليم والكشف عن ظروفه وملابساته".

وامتدت تداعيات الفيضانات إلى المؤسسات التعليمية، إذ أكد المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بآسفي، العلامي القريشي، تضرر 3 مدارس ابتدائية بسبب غمرها بالمياه، كما سُجل سقوط جزئي لأسوار إحدى الثانويات التأهيلية، بدون تسجيل أي خسائر بشرية.

وبخصوص تعليق الدراسة، أوضح القريشي للجزيرة نت، أن القرار اتُّخذ في إطار التدابير الاحترازية، وبتنسيق مع السلطات الإقليمية، حيث جرى تعليق الدراسة أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء، أخذا بعين الاعتبار النشرات الجوية الإنذارية الصادرة في هذا الشأن.

وفي سياق التفاعل المدني مع الفاجعة، أعلنت مجموعة من الهيئات السياسية والحقوقية والنقابية بمدينة آسفي عن تأسيس لجنة للتضامن مع ضحايا فيضانات آسفي، "لمواكبة شؤون المتضررين والدفاع عن حقوقهم، والضغط من أجل كشف حقيقة ما جرى وترتيب المسؤوليات".

وتطالب لجنة التضامن بإعلان مدينة آسفي منطقة منكوبة، بما يترتب عن ذلك من إجراءات استعجالية للتعويض، وإعادة الإيواء، وتأهيل البنيات المتضررة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا