في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تتجمع اليوم الثلاثاء أكثر من 50 سفينة في عرض البحر الأبيض المتوسط ضمن المياه الإقليمية جنوب اليونان، في انتظار انضمام 6 سفن أخرى قادمة من جزيرة كريت اليونانية، وذلك ضمن أسطول الصمود العالمي المتجه إلى قطاع غزة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ نحو عامين.
ومن المنتظر أن تبحر جميع سفن أسطول الصمود دفعة واحدة إلى وجهتها الأخيرة نحو غزة اليوم أو صباح الغد، رغم التهديدات الإسرائيلية والمحاولات التي قامت بها حكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب قضائيا لمحكمة العدل الدولية – لمنع وصول سفن الأسطول إلى هذه النقطة.
وصرح أحد المشاركين في الأسطول -للجزيرة نت- بأن إحدى سفن الأسطول تعرضت للقصف من قبل طائرة مسيرة أثناء توقفها في أحد المواني، لكن طاقم السفينة استطاع إخماد الحريق الناتج عن القصف وإصلاح الضرر المترتب على ذلك.
وانطلقت أغلب سفن أسطول الصمود بداية من ميناء برشلونة الإسباني، منذ 23 يوما، وتوقفت في مينائي سيدي بوسعيد و بنزرت التونسيين عدة أيام، وهناك انضمت للأسطول سفن أخرى وجرت عمليات إصلاح للعديد من السفن، وبعضها استبعد لعدم صلاحيته لخوض هذه الرحلة، ثم انطلقت السفن إلى محطة تالية نحو ميناء سرقوسة بمدينة صقلية اليونانية.
الأسطول يحمل على متن سفنه نحو ألف ناشط من دول عديدة من مختلف أنحاء العالم، يحملون رسالة تضامن مع الفلسطينيين في غزة لما يتعرضون له من إبادة جماعية وقصف وتجويع من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويعد التنسيق بين هذا العدد الضخم من السفن تحديا كبيرا، خاصة إذا كان أغلب هذا العدد صغير الحجم ولا يحمل معه مؤنا كافية من الطعام والمياه والوقود. وهنا يأتي دور السفينة "ألما" التي تعد أكبر السفن المشاركة في أسطول الصمود، والتي تزود باقي السفن بما تحتاجه من وقود وطعام.
ومن على متن السفينة "ألما" أجرى "الجزيرة نت" مقابلة مع 5 من المشاركين في أسطول الصمود، الذين حكوا عن برنامجهم اليومي وأنشطتهم طوال أكثر من 20 يوما في عرض البحر وطبيعة التهديدات الإسرائيلية التي يتلقونها، ورسائل الصمود التي يحملونها وهم في طريقهم نحو غزة، كما جاء في المقاطع المرفقة مع هذا التقرير.
فالزمن في عرض البحر ليس مجرد أرقام تتبدد في زرقة المياه، بل هو تجربة جماعية تجمع العشرات من جنسيات وخلفيات متنوعة حول هدف واحد، وهو رسالة عالمية للشعوب والحكومات من أجل غزة والفلسطينيين الذين يبادون على يد الاحتلال الإسرائيلي.
وتقول يارا -المنسقة الإعلامية في أسطول الصمود- إن يومهم يبدأ بتنظيف السفينة، وممارسة تدريبات على ارتداء سترات النجاة، ومحاكاة سيناريوهات المواجهة أو الاعتراض من الجانب الإسرائيلي. وتلك التدريبات ليست مجرد إجراءات أمنية، بل هي أيضا لحظات تعزز التماسك بين المشاركين وتخلق نوعا من الطمأنينة في قلب المجهول.
ثم يأتي وقت التعلم المشترك؛ إذ يجمعهم التاريخ الفلسطيني، حيث يروي لهم منسق المجموعة البولندية في أسطول الصمود عمر فارس دروسا عن فلسطين ، وعن الجذور والأساطير، وعن مأساة الحصار والمقاومة.
وفي المساء، تزداد الحياة نبضا عبر الجلسات المفتوحة، إذ يتبادل الجميع قصصهم، ومشاعرهم، وأحيانا يستضيفون شخصيات ملهمة مثل زويليفليل حفيد الزعيم الراحل نيلسون مانديلا الذي يروي حكايات النضال من جنوب أفريقيا ، وكيف يتقاطع كفاحهم السابق مع القضية الفلسطينية حاليا.
وفي قلب هذه اليوميات، هناك تفاصيل صغيرة لكنها شديدة التأثير؛ مثل الاستحمام بعد 4 أيام من الانتظار وكيف يصبح جائزة ثمينة -كما قالت تارا الناشطة من بولندا- والحصول على وجبة واحدة يتجمع الجميع حولها، والحفاظ على المؤن استعدادا لرحلة قد تطول، وتنظيم فعاليات لتزيين السفينة برسائل تضامن بلغات المشاركين، وكتابة رسائل خاصة لأطفال غزة، حتى تصبح كل كلمة تُكتب وكل لوحة تُعلق فعلا مقاوما ورمزا للأمل.
ولا تخلو الرحلة من توتر يفرضه الواقع؛ إذ يتلقى المشاركون تهديدات متصاعدة من الحكومة الإسرائيلية، لا تتوقف عند التحذير بالاعتقال والمصادرة أو الاعتراض في المياه الدولية، بل وصل الأمر إلى قصف إحدى السفن أكثر من مرة أثناء رسوها في أحد المواني.
كثير من المشاركين في أسطول الصمود لديهم خبرة سابقة في بعثات بحرية إلى غزة منذ عام 2008، ومنهم من شهد هجمات بطائرات مسيّرة أو منع سفنه من مغادرة المواني، كما تقول كويفا التي زارت غزة من قبل وعملت ضمن فرق الإسعاف فيها. ورغم ذلك، يتفق الجميع على أن "إسرائيل لا تملك البحر، وليست لها سلطة أخلاقية أو قانونية على تلك المياه".
وقال المتحدثون للجزيرة نت إن التهديدات الإسرائيلية تمثل استمرارا لمحاولات إسرائيل لتخويف المجتمع المدني العالمي وردعه، ويعتبرون أن إصرارهم على مواصلة الرحلة يعد تطبيقا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ورفضا لأي تطبيع مع الجرائم الإسرائيلية.
وشدد المشاركون في المقابلة على أن ما تقوم به إسرائيل من تهديدات لأسطول الصمود العالمي يمثل "قرصنة" بحرية، ويصرون على أن مبادرتهم سلمية وما يحملونه على سفنهم واضح ولا يمثل أي انتهاك للقانون البحري، فهم بلا أي سلاح، وبلا أجندات خفية، فقط يحملون مساعدات إنسانية ورسائل تضامن.
ويلفت تايغ هيكي (وهو ممثل كوميدي أيرلندي) إلى خطورة الدعاية الإسرائيلية ومحاولات تجريم قافلتهم عبر وسائل الإعلام الغربية التي غالبا لا تتحدى الرواية الإسرائيلية الرسمية، متوجها بالحديث إلى أصحاب الضمير في أنحاء العالم من أجل تجاوز الاتهامات السطحية والتركيز على جوهر القضية التي يحملها: قافلة مدنية سلمية تسعى لتخفيف معاناة أكبر حصار في العالم اليوم، على حد قوله.
ومن بين ثنايا صوت الأمواج المحيطة بالسفينة "ألما" يمكن تلخيص الرسالة التي يحملها المشاركون في النقاط التالية:
وتغلب على السفينة روح جماعية من الحب والمسؤولية؛ فكل فرد هناك يعي أن أرواحهم ليست أهم من أرواح المدنيين الفلسطينيين، وأن امتياز جوازات سفرهم هو وسيلة لجذب انتباه العالم لجريمة الحصار، كما قال المشاركون للجزيرة نت.
وتقول تارا إنها تشعر بالفخر لحمل صلوات وأماني أصدقاء لها في البحرين والكويت وقطر واليمن وبلدان لا يستطيع أهلها المشاركة فعليا، لكنهم حاضرون معها بالقلب والدعاء.
وعبر المتحدثون أيضا عن صعوبة الحياة اليومية على متن السفينة وطول الأيام التي ابتعدوا فيها عن اليابسة، لكنها كلها بالنسبة لهم تفاصيل تصنع معاناة صغيرة مقارنة بما يحدث في غزة، فالأسطول لا يحمل فقط مساعدات غذائية أو رسائل تضامن، بل يحمل إرادة شعوب اختارت أن تتحدى الصمت والتواطؤ، وتعيد تعريف معنى الفعل الإنساني، وأن تكون رحلتهم اختبارا للضمير العالمي، وإصرارا على أن النضال من أجل فلسطين هو نضال من أجل الإنسانية كلها.