تواصل القوات الإسرائيلية توسيع نطاق انتشارها داخل الأراضي السورية، وفقاً لتحليل أجراه فريق بي بي سي لتقصي الحقائق باستخدام صور الأقمار الاصطناعية ومقاطع الفيديو الميدانية.
وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية استمرار أعمال الإنشاء في طريق يسمى بـ "سوفا 53"، الذي يخترق منطقة الفصل منزوعة السلاح جنوب سوريا والذي بدأ العمل عليه عام 2022.
وقد تم إنشاء الطريق كساتر ترابي يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار وبعرض مماثل، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. ويمتد بين مواقع عسكرية إسرائيلية شرق خط برافو، الذي حددته اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 بين سوريا وإسرائيل. وقدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان طول سوفا 53 بسبعين كيلومتراً.
تواصل فريق بي بي سي لتقصي الحقائق مع الجيش الإسرائيلي وقال لنا إن الجيش "أقام حاجزاً هندسياً لأغراض دفاعية لمنع محاولات العدو اقتحام أراضي دولة إسرائيل".
وأضاف أن بناء الحاجز يأتي "في إطار مفهوم الدفاع في المنطقة السورية، وبهدف ضمان حماية سكان مرتفعات الجولان".
وبعد مراجعة للصور الملتقطة للأقمار الإصطناعية في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2025، ومقارنتها بصور من يناير/كانون الثاني الماضي، تبين أن أعمال البناء مستمرة.
وقال الخبير العسكري ستيوارت راي لبي بي سي نيوز عربي إن الصور ترجّح أن المشروع "جزء من تعزيز الحاجز الأمني الممتد على طول خط ألفا"، مضيفاً أن "هذا النوع من الإنشاءات يمنح درجة من الحماية للقوات الإسرائيلية المتمركزة خلفه في حال تعرضت لهجوم من الشرق".
وتُظهر إحدى الصور وجود آليات ثقيلة في الموقع، تبدو أقرب إلى معدات هندسية مدنية منها إلى مركبات عسكرية، مما يعزز فرضية أن المشروع ليس طريقاً تقليدياً، رغم إمكانية مرور المركبات عليه، وفقا لراي.
فيما قال المحلل الاستراتيجي والعسكري منصور طرشان لبي بي سي إن ما يجري في المنطقة العازلة هو "فرض أمر واقع جديد على الأرض" تهدف إسرائيل من خلاله إلى "منع دخول الآليات العسكرية من الجانب السوري مستقبلاً كخطوة عسكرية احترازية لأن نواياهم هي قضم المزيد من مناطق سورية".
وأضاف طرشان: "الخط يمتد على طول المنطقة العازلة من قاعدة قرص النفل غرب حضر إلى جباتا الخشب و من ثم القحطانية حتى التلول الحمر يتوسع في مكان و يضيق في مكان آخر و لا يتوقف إلا عند مروره بالقواعد والنقاط العسكرية التي أحدثها الجيش الإسرائيلي لينتهي عند قرية العشة".
مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والغابات تم اقتلاعها لصالح خط سوفا 53 والقواعد العسكرية في المنطقة العازلة، حسب المهندس أحمد ذيب مسؤول في وزارة الزراعة في مدينة القنيطرة.
و قال ذيب لبي بي سي إن إسرائيل جرفت حرش كودنة في ريفها الأوسط بمساحة تُقارب 1,860,000 متر مربع من أشجار الصنوبر الثمري، بالإضافة إلى مساحة 150,000 متر مربع من محمية جباثا الخشب، المزروعة بأشجار السنديان المعمرة، و 50,000 متر مربع في حرج الشحار بريف القنيطرة الشمالي وهي غابات صنوبر ثمري. إضافة إلى 50,000 متر مربع من الحراج على طول الطريق باتجاه القنيطرة.
و أضاف أن إسرائيل "تمنع المدنيين من الاقتراب من محيط القواعد العسكرية وأماكن الحفر في سوفا 53، ما حول نحو ستة آلاف هكتار إلى مناطق محظورة، و حرم المزارعين والرعاة من مصادر رزقهم".
وفي يونيو/حزيران 2025، هدم الجيش الإسرائيلي حياً مكوناً من 15 منزلاً لتأمين محيط قاعدة عسكرية جديدة في قرية الحميدية، وفق وسائل إعلام محلية.
قال محمد سليمان العلي، أحد المتضررين لبي بي سي: "أولادي يفتقدون المنزل، كل يوم يسألوني لماذا لم نعد إليه؟ لم أجرؤ على إخبارهم بأن البيت والأثاث وألعابهم لم يعد لها أثر".
ليتحول منزله "العامر بالحياة" إلى "أرض جرداء" خالية إلا من بقايا الركام. وباتت "المنطقة خطيرة" يصعب الوصول إليها.
في رده لبي بي سي قال الجيش الإسرائيلي إنه يعمل " في سوريا وفقاً للقانون الدولي، بهدف ضمان أمن مواطني دولة إسرائيل، مع تقديم المساعدة والاهتمام بالسكان المحليين".
وقد قام فريق بي بي سي لتقصي الحقائق سابقاً بتحليل صور الأقمار الاصطناعية التي كشفت عن أعمال بناء في مواقع تبعد أكثر من 600 متر داخل المنطقة العازلة، وأخرى خارجها في الجانب السوري.
وقالت الأمم المتحدة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إن هذه الإنشاءات على طول المنطقة العازلة منزوعة السلاح تمثل "انتهاكاً صارخاً" لاتفاقية وقف إطلاق النار.
و قال طرشان لبي بي سي إن "القواعد العسكرية الجديدة تشمل: قاعدة قرص النفل غربي بلدة حضر، قاعدة جباثا الخشب، قاعدة الحميدية، وقاعدة العدنانية التي تطل على سديّ أم العظام ورويحينة. كما أنشأت إسرائيل نقاط مراقبة في قمة الحرمون في جبل الشيخ و تل أحمر وسد الوحدة في ريف درعا الغربي".
فيما قال الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور زكريا ملاحفجي لبي بي سي إن "إسرائيل سيطرت على مساحات في ريف دمشق والقنيطرة إلى جانب قمة الحرمون ومنطقة الفصل منزوعة السلاح منذ الإطاحة بحكم بشار الأسد" و أشار إلى أن إسرائيل "لن تعيد هذه الأراضي الاستراتيجية".
وفي تطور لافت، للأحداث منتصف سبتمبر/أيلول الحالي، قالت وكالة الأنباء السورية إن القوات الإسرائيلية توغلت 38 كيلومتراً في بلدة صيصون بريف درعا الغربي وسيطرت على قاعدة عسكرية في "محيط سرية جملة القريبة من خط فصل القوات مع الجولان السوري المحتل".
رغم أن اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 تنص على أن منطقة الفصل منزوعة السلاح تخضع لإشراف الأمم المتحدة، فإن إسرائيل كانت تُجري عمليات الحفر ورفع السواتر قبل سقوط النظام السوري السابق.
قال نور الحسن من أبناء مدينة القنيطرة لبي بي سي إن "أهالي المنطقة كانوا يقدمون الشكاوى للحكومة السابقة: منذ بدء الجيش الإسرائيلي بالحفر وقضم الأراضي، لكن النظام كان يهدد الأهالي بالاعتقال إذا ما قاموا بالشكوى أو نشروا الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي".
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الاتفاق تم التوصل إليه مع "نظام مخلوع"، وبالتالي فهو "غير صالح"، رغم إعلان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع التزامه بالاتفاق.
وخلال جولة المحادثات الثالثة بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في لندن منتصف سبتمبر/أيلول الحالي 2025، بحضور المبعوث الأميركي إلى سوريا، "تناول الطرفان إعادة تفعيل اتفاقية فض الاشتباك 1974 وخفض التصعيد، وعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي". فيما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن ترسيم جديد للمنطقة العازلة.
و في أغسطس/آب الماضي قالت سوريا إن "إسرائيل قد أرسلت 60 جندياً للسيطرة على منطقة داخل الحدود السورية حول جبل الشيخ" فيما اعتبرته دمشق انتهاكاً لسيادتها و تهديداً إضافياً للأمن الإقليمي.
تصريحات نتنياهو الأخيرة حول شعوره بأنه في "مهمة تاريخية وروحية"، وتمسكه برؤية "إسرائيل الكبرى" التي تشمل الأراضي الفلسطينية، وربما أيضاً مناطق من سوريا والأردن ومصر، أثارت قلق الحكومات العربية التي أدانت هذه التصريحات.
ووصفت جامعة الدول العربية هذه التصريحات بأنها "انتهاك صارخ لسيادة الدول العربية ومحاولة لتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة"، معتبرة أنها تعكس "نوايا توسعية وعدوانية" و"عقلية متجذرة في أوهام استعمارية".
وعلى الرغم من وجود ميليشيات مدعومة من إيران في سوريا قبل سقوط نظام الأسد، ظلت هذه الحدود هادئة نسبياً. فيما خاضت القوات الإسرائيلية معارك في غزة ولبنان و إيران على مدى الأشهر الماضية. و بعد مرور ما يقارب عامين على بدء هذا الصراع الإقليمي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما زالت التوترات قائمة على امتداد حدودها.