في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في مشهد سياسي متشابك ومعقد، جاء إعلان تنصيب أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية في سوريا ليضع البلاد أمام منعطف تاريخي جديد، تتداخل فيه التوافقات الداخلية بالحسابات الإقليمية والتحديات الهيكلية.
هذا القرار يثير تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة الحكومة الانتقالية على تحقيق الاستقرار وبناء دولة مؤسسات، بعيدًا عن الفصائلية والضغوط الخارجية.
معادلة السلطة.. توافق سياسي أم انتصار عسكري؟
يرى الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن سمير التقي، خلال حديثه لسكاي نيوز عربية أن هذه الخطوة "كانت متوقعة" لكنها تأتي في سياق صراع نفوذ بين الفصائل العسكرية التي أسهمت في إسقاط النظام السابق.
ويشير إلى أن المؤتمر الذي أُعلن خلاله عن المرحلة الانتقالية جاء تتويجا لجهود تطويع الخلافات بين هذه الفصائل، لكنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلات حول مستقبل سوريا السياسي، خاصة فيما يتعلق بمسألة إدارة الجيش وعقيدته العسكرية في ظل تشظي الولاءات بين مختلف الأطراف.
يضيف التقي أن الشرع "ورث معادلة سياسية معقدة"، حيث لم يعد الأمر مجرد استبدال شخص بآخر، بل يتعلق بإعادة بناء الدولة من الصفر، وهو أمر يتطلب توافقًا وطنيًا يتجاوز مجرد الاجتماعات البروتوكولية. "لم يعد هناك مجال للكلام فقط، الآن ينتظر المواطن السوري أفعالًا ملموسة"، على حد تعبيره.
الشرعية الداخلية في مواجهة التوازنات الخارجية
فيما يتعلق بشرعية الحكومة الانتقالية، يطرح الباحث في مركز الإمارات للسياسات، محمد الزغول، إشكالية خطيرة تتعلق بمصدر الشرعية، إذ يشير إلى أن القيادة الجديدة تركز جهودها على كسب الاعتراف الدولي، بدلًا من بناء شرعية داخلية تستند إلى الشعب السوري.
يقول الزغول: "ما نراه اليوم هو إدارة سياسية تسعى للحصول على دعم الاتحاد الأوروبي والدول العربية والولايات المتحدة، لكنها لم تُبدِ أي اهتمام حقيقي بالحوار مع الشارع السوري"، محذرًا من أن هذا النهج قد يعمّق الأزمة بدلًا من حلها.
من جانبه، يشدد الكاتب والباحث السياسي منيف عماش الحربي على أن المجتمع الدولي ينظر إلى هذا التطور كخطوة ضرورية لملء الفراغ السياسي في سوريا، مشيرا إلى أن الرياض استضافت اجتماعًا مهمًا في 11 يناير الماضي، جمع ممثلين عن الحكومة الانتقالية مع مسؤولين من الولايات المتحدة وأوروبا. لكن يظل السؤال المطروح: هل يستطيع الدعم الإقليمي والدولي إنقاذ التجربة الانتقالية إذا لم تحظَ بقبول السوريين أنفسهم؟.
المأزق العسكري والسياسي.. من يحكم المرحلة الانتقالية؟
على المستوى الداخلي، يبرز تحدٍ رئيسي يتمثل في هيمنة الفصائل المسلحة على المشهد الانتقالي، وهو ما يثير مخاوف من إعادة إنتاج نموذج "الميليشيات الحاكمة" الذي شهدته دول مثل ليبيا والسودان.
الكاتب والباحث السياسي عرابي عبد الحي يشير إلى أن هناك انقساما واضحا بين الجناحين العسكري والسياسي في الحكومة الجديدة، حيث يبدو أن الأولوية أعطيت للعسكر على حساب السياسيين، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على عملية بناء مؤسسات مدنية مستقرة.
ويضيف عبد الحي أن أحد أبرز التحديات يتمثل في إجراء إحصاء دقيق للمواليد السوريين الذين غادروا البلاد، بالإضافة إلى تحديد عدد المؤهلين للمشاركة في أي استحقاق انتخابي قادم. "نتحدث عن 4 إلى 5 ملايين شخص خارج سوريا، مما يعني أننا أمام عملية قد تستغرق سنوات قبل أن نتمكن من ضمان انتخابات حرة ونزيهة"، كما يقول.
المعضلة الدستورية.. هل هناك إطار قانوني للمرحلة؟
يرى الخبراء أن الحكومة الانتقالية تواجه مأزقًا قانونيًا يتمثل في عدم وجود إطار دستوري واضح يحكم المرحلة.
يؤكد سمير التقي أن صياغة دستور جديد ليست مجرد خطوة تقنية، بل معركة سياسية بامتياز، مشيرًا إلى أن التجربة العراقية أظهرت أن "من يكتب الدستور يحدد مصير الدولة".
ويحذر الباحثون من تكرار أخطاء الماضي، حيث يطالب عبد الحي بإنشاء هيئة تأسيسية للحوار الوطني، بدلًا من "التسرع في التصويت على دستور قد لا يعكس التوافقات الوطنية"، مما قد يؤدي إلى استقطابات خطيرة، كما حدث في العراق.
الملف الكردي قنبلة موقوتة في مسار الانتقال
يعد الملف الكردي من أكثر القضايا حساسية في سوريا، حيث يسيطر الأكراد على مناطق استراتيجية شرق الفرات، وهو ما يجعل أي عملية انتقالية رهينة التوازنات الإقليمية.
يؤكد محمد الزغول أن دمشق لا تملك قرارًا مستقلًا فيما يتعلق بالتعامل مع "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" بسبب الضغوط المتزايدة من تركيا وأميركا.
"هناك إرادة دولية تمنع الحكومة السورية من اتخاذ قرارات مستقلة سواء بالتصعيد العسكري أو التوصل إلى تسوية سياسية مع الأكراد"، يقول الزغول، مضيفًا أن هذا التعقيد يجعل أي حل سياسي غير ممكن دون توافق إقليمي ودولي.
استشراف المستقبل.. بين الفرص والمخاطر
أمام هذه التحديات، تظل سوريا في مفترق طرق حاسم. فبينما يرى البعض أن المرحلة الانتقالية تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة، يحذر آخرون من أن استمرار الخلافات السياسية والعسكرية قد يؤدي إلى إطالة أمد الأزمة.
سمير التقي يلخص الموقف بقوله: "إذا استمرت الحكومة الانتقالية في التركيز على الشرعية الخارجية بدلًا من تحقيق توافق داخلي، فإننا قد نكون أمام مرحلة أخرى من الفوضى".
من جانبه، يرى الحربي أن نجاح التجربة الانتقالية يعتمد على قدرتها على بناء مؤسسات حقيقية، مشددًا على أن أي محاولة لفرض الحلول بالقوة قد تؤدي إلى تكرار سيناريوهات الفشل التي شهدناها في دول أخرى.
هل تكون سوريا الاستثناء؟
يظل السؤال الكبير: هل ستكون سوريا استثناءً في تجارب الانتقال السياسي في العالم العربي؟ أم أنها ستسير على خطى دول أخرى غرقت في الفوضى بسبب صراعات داخلية وعدم وجود رؤية سياسية واضحة؟
الإجابة ستتضح في الأشهر القادمة، حيث ستكشف التطورات القادمة مدى قدرة القيادة الجديدة على تجاوز الانقسامات وبناء مستقبل يليق بتضحيات الشعب السوري.