الجزائرالٱن _ ينذر التوتر الدبلوماسي غير المسبوق بين الجزائر وفرنسا المتصاعد، بتبعات اقتصادية تطال شركات باريس وتواجدها في الجزائر، الذي فقدت فيه حصصا لافتة منذ صعود الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم نهاية 2019.
وقالت “وكالة الأناضول” التركية، في تقرير لها، أنّ زيادة التوتر في علاقات البلدين التي تمر بأزمة منذ سنوات، سيكون لها انعكاس كبير على التواجد الاقتصادي الفرنسي في الجزائر، مشيرة إلى أنّ هذا التواجد انحسر بشكل لافت أيضا في عهد الرئيس تبون، مقابل تعزيز الشراكة مع دول أخرى على غرار الصين وتركيا وقطر وإيطاليا.
وأدى هذا الوضع إلى مغادرة شركة “راتيبي باريس” الفرنسية في أكتوبر 2020 الجزائر، والتي كانت مكلفة بتسيير وصيانة مترو أنفاق العاصمة منذ عام 2011، بعد أن قررت السلطات الجزائرية عدم تجديد عقدها.
وعلى نفس المنوال سارت شركة “سياز” في 2021، وكانت مسؤولة عن إدارة وتسيير المياه والصرف الصحي بالعاصمة الجزائرية وولاية تيبازة المجاورة، بعقد حتى 2006 وتم تجديده عدة مرات.
وعقب وصول الرئيس تبون إلى الحكم، توقف مصنع السيارات للعلامة الفرنسية “رونو” عن الإنتاج، وسرّح عماله وموظفيه اعتبارا من 2020.
ورغم بعض التصريحات في الجزائر وفرنسا، إلا أن هذا المصنع بقي مجمدا ولم يستأنف نشاطه إلى اليوم.
وفي غضون ذلك، أطلقت الحكومة مشاريع مماثلة لتركيب وتجميع السيارات مع العلامة الإيطالية “فيات”، وخلال وقت سابق من الشهر الجاري، تم التوصل لاتفاق مع “هيونداي” الكورية الجنوبية لإقامة مصنع سيارات باستثمار يفوق 400 مليون دولار.
وكمثال لانحسار الشركات الفرنسية بالجزائر، أنهى بنك القرض الفلاحي “كريدي أقريكول” الفرنسي تواجده بالجزائر عام 2021 بعد أن سحب المركزي الجزائري رخصة نشاطه بعد دخوله البلاد عام 2007.
وفي عهد الرئيس تبون أيضا، منعت السلطات الجزائرية استحواذ “توتال” الفرنسية على أصول “أناداركو” الأمريكية التي انتقلت إلى أوكسيدنتال بيتروليوم حينها.
وأشهرت الجزائر “فيتو”، من خلال اللجوء إلى “حق الشفعة” بموجب قانون المحروقات، وبذلك رفضت الصفقة بالكامل في شقها الجزائري، بالنظر إلى أنّ “توتال” الفرنسية التي اشترت أصول أناداركو الأمريكية في كامل القارة الأفريقية.
وفي عام 2023، انسحبت شركة “توتال” الفرنسية أيضا من مشروع مصنع بتروكيماويات كبير في وهران بغرب الجزائر بالشراكة مع شركة “سوناطراك”
وقرر الجانب الجزائري المضي قدما في المشروع بمفرده ومنح عقد البناء إلى مجمع صيني بريطاني مقابل 1.5 مليار دولار.
18 مليار دولار خسائر فرنسا
الخبير الاستراتيجي حسان قاسيمي، الذي شغل سابقا منصب مدير الهجرة بوزارة الداخلية الجزائري، قال في تصريحات لـ “الأناضول”، أنّه يرى أنّ “العلاقات مع فرنسا تشهد فعلا تدهورا خطيرا للغاية نظير تصرفات وتصريحات غير أخلاقية للطبقة السياسية الفرنسية وخاصة اليمين المتطرف الذي يشن حملة متعددة الجوانب ضد الجزائر ومصالحها”
ويؤكد قاسيمي أن الجزائر وعلى مدار السنوات الأربع الماضية “اتخذت قرارات على الصعيدين الاقتصادي والتجاري في تعاملها مع فرنسا، وقد وصل صداها إلى الطبقة الحاكمة في باريس وكان بمثابة إنذار لها، وتسبب في خسائر كبيرة للجانب الفرنسي”
وتحدث الخبير الاستراتيجي عن “خسائر بـ 18 مليار دولار طالت الشركات والتواجد الفرنسي بالجزائر على مدار أربع سنوات، وهو رقم كبير بحسبه، يؤثر على التوازنات المالية والاقتصادية الفرنسية”
واعتبر أنّ فرنسا “عملت سابقا على مخططات لمحاولة إضعاف الدولة الجزائرية وإفشال مشاريع كبير للتنمية الاقتصادية، بتواطؤ بعض الأطراف الجزائرية لم يسمها”
ومقابل دورها في إفشال مشاريع اقتصادية ضخمة، يضيف قاسيمي، أنّ فرنسا “حولت سابقا، مبالغ مالية كبيرة بمليارات الدولارات من الجزائر من دون مقابل”
فرنسا لن تتخلى عن العقلية الاستعمارية
وبالنسبة لمستقبل تواجد فرنسا وشركاتها بالجزائر، توقع قاسيمي، أن “يبقى ذلك مرهونا بموقف فرنسا مما تطالب به السلطات الجزائرية، وفي مقدمتها الرئيس تبون، بضرورة أن تعترف فرنسا الرسمية بجرائمها الاستعمارية وتعتذر للدولة الجزائرية وللشعب”
وأضاف أنّ “عودة العلاقات التجارية والاقتصادية إلى طبيعتها على غرار السياسية والدبلوماسية مشروط بتخلي فرنسا عن سلوكها وتعاملها مع الجزائر والدول الإفريقية بعقلية استعمارية، وتتعامل معهم الند للند”
وخلص قاسيمي إلى أنّه “في الظروف الحالية لا يمكن أبدا التفكير في بناء علاقات صداقة ومبادلات اقتصادية وتجارية مع اليمين المتطرف المتشبع بالثقافة الاستعمارية المجرمة، التي تتصادم مع العقيدة الجزائرية المبنية على التحرر والتعايش بسيادة وعدالة.”