آخر الأخبار

الولادة القيصرية في مصر: بين الضرورة الطبية وجشع المشافي

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

ارتفاع نسبة الولادات القيصرية غير المبررة طبيا دفع الحكومة المصرية للتحرك واتخاذ إجراءات للحد منها وتجنب مخاطرهاصورة من: Daniel Karmann/dpa/picture alliance

قبل عدة أيام، أعلنت وزارة الصحة والسكان المصرية عن بدء تطبيق إجراءات تنظيمية جديدة، تشمل إلزام جميع المنشآت الطبية الخاصة بتقديم تقارير إحصائية شهرية مفصلة تتضمن إجمالي عدد الولادات، ونسبة العمليات القيصرية، وتحليل أسباب إجرائها، وإعادة النظر في الحوافز المدفوعة للأطباء.

مخاطر الولادة القيصرية

في تصريحات للدكتورة عبلة الألفي، نائبة وزير الصحة والسكان المصرية لـ DW عربية، أكدت أن معدلات الولادة القيصرية في مصر تجاوزت 72 %، مما يتسبب في مضاعفات صحية وتكاليف اقتصادية تصل إلى مليارات الجنيهات سنوياً، الأمر الذي دفع وزارة الصحة لتبني إجراءات مشدًدة. وتطرقت إلى إجراءات أخرى مثل توفير أدوية لتوسيع عنق الرحم أثناء الولادة الطبيعية، وتوفير أجهزة حديثة، وتدريب الأطباء، وتوفير ممرضات للتمرين على الولادة والمتابعة والعمل على التوعية بالولادة الطبيعية وتدريب مقدمي المشورة في مراكز الرعاية الصحية ، بحسب الدكتورة عبلة.

وأعربت - نائبة الوزير - عن أملها أن تسهم تلك الجهود في تقليل معدلات الولادة القيصرية لتصل إلى 50 ٪ للسيدات متعددة الولادات والبكرية إلى 40 ٪ نهاية هذا العام.

و حذًرت من المخاطر الصحية للولادة القيصرية على الأمهات والأطفال ، مثل زيادة وفيات حديثي الولادة، والتوحد، والسمنة، وتأخر النمو، إضافة إلى مضاعفات خطيرة على الأم كالنزيف والمشيمة المتوغلة ودخول ما يتخطى نسبة 95 ٪ من مواليد العمليات لقيصرية في الحضانات.

وجدير بالذكر أن معدلات الولادة القيصرية في مصر قد قفزت من 52 ٪ عام 2014 إلى 72 ٪ عام 2024 وفقاً للمسح الصحي للأسرة المصرية وبما يقرب من خمسة أضعاف المعدل الذي توصي به منظمة الصحة العالمية والذي يتراوح بين 10 إلى 15 ٪.

توعية النساء بفوائد الولادة الطبيعية وعدم اللجوء إلى القيصرية إلا في الحالات الاضطرارية ولأسباب طبية يساهم في خفض عدد الولادات القيصرية غير الضرورية صورة من: R. Elsayed

"بعد استثماري" للولادات القيصرية

أسماء دياب (اسم مستعار) سيدة عشرينية أرادت أن تولد طفلها طبيعي بعد أن شاهدت مقاطع فيديو على الأنترنت تكشف خطورة الولادة القيصرية على العلاقة الجنسية، فاختارت الولادة القيصرية دون تفكير. قائلة: "هددني زوجي بالزواج من امرأة أخرى، لذلك عندما أبلغني الطبيب بأن الولادة القيصرية قد تؤثر على العلاقة الزوجية- ولو بشكل مؤقت- شعرت بخوف".

ماجدة السيد (35 عاماً) اضطرت للولادة القيصرية في القطاع الخاص بعد أن أبلغتها قريبتها وهي تعمل ممرضة في مستشفى حكومي بأن الولادة في المستشفيات الحكومية ليست أفضل خيار بسبب الاهمال والتأخر في منح المسكنات والعنف اللفظي من قبل بعض الممرضات، واضطرت إلى أخذ قرض من البنك حتى تتمكن من الولادة في مستشفى خاص.

سيدات أخريات تحدثت معهم DW عربية ابلغن بأن الأطباء نصحوا بالولادة القيصرية وادركن لاحقاً بأن الولادة الطبيعية كانت الخيار الأفضل وأن سبب نصيحة الأطباء بالقيصرية كانت لتوفير الوقت وكسب مال أكثر.

الدكتور مؤمن زكريا، استشاري أمراض النساء والتوليد بكلية الطب البشري ومستشفيات جامعة بني سويف في مصر، أشار في حديثه مع DW إلى البعد الاستثماري في عمليات الولادة القيصرية قائلاً: "70 % من حالات الولادة في مصر تتم في المؤسسات والمراكز الطبية التابعة للقطاع الخاص. ومن هنا يمكن القول إن الجانب الاستثماري والاقتصادي يلعب دوراً مهماً خاصة مع تزايد قلق الأطباء من الملاحقات القضائية والقانونية". وتابع: "ساهم ذلك في تفضيل عدد غير قليل من الأطباء للولادة القيصرية مع عدم الرقابة والمراجعة من وزارة الصحة في العقود السابقة". وتوقع زكريا أن تسهم الإجراءات الجديدة في خفض نسبة الولادة القيصرية وردع الأطباء عن اللجوء لخيار الولادة القيصرية غير المبررة طبياً.

الولادة القيصرية "شكل من أشكال العنف ضد المرأة"

أوصت منظمة الصحة العالمية بوقف الولادة القيصرية دون ضرورة طبية؛ نتيجة الأضرار الجسدية والنفسية على غرار تعرض النساء في أثناء الولادة لأنواع مختلفة من العنف، مثل عدم احترامهن والإهانات اللفظية.

وهو ما أكدت عليه انتصار السعيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون في حديثها مع DW عربية إذ أشارت إلى أن الولادة القيصرية هي "شكل من أشكال العنف الطبي أو العنف القائم على النوع الاجتماعي". وفسًرت: "عندما يُفرض على السيدة تدخل طبي غير ضروري، دون نقاش أو خيار بديل، أو عدم توعيتها بمخاطر القيصرية وحقها في الاختيار أو عندما يكون الربح أو راحة الطبيب هي الدافع الأساسي وليس صحة الأم أو الجنين".

واعتبرت انتصار السعيد أن القضية ليست هامشية من حيث التأثير، ولكنها مهمشة من حيث التناول الرسمي والإعلامي ويتم طرحها فقط عند صدور تقارير أو تصريحات جديدة، كما تُعامل كقضية طبية وليس كقضية حقوقية نسوية شاملة.

مي الشامي صاحبة مبادرة "أوقفوا الجراحات القيصرية غير الضرورية" التي أطلقتها على مواقع التواصل الاجتماعي للتوعية بفوائد الولادة الطبيعية وأضرار الولادة القيصريةصورة من: May Elshamy

مبادرات ومخاوف

تظهر منذ الفترة للأخرى مبادرات وحراك من منظمات المجتمع المدني للتوعية بمخاطر الولادة القيصرية ومن ضمنها مبادرة مي الشامي، "أوقفوا الجراحات القيصرية غير الضرورية" على مواقع التواصل الاجتماعي والتي أطلقتها في عام 2020 عبر تقديم قصص لسيدات وضعن أطفالهن عن طريق الولادة الطبيعية والتوعية بفوائد وأضرار الولادة القيصرية.

وخلال العمل على مبادرتها في السنوات الماضية، شعرت أن هناك تطور في وعي السيدات عن أهمية الولادة الطبيعية وأن هناك تجاوب مع مبادرتها لدرجة أن بعض الرجال الأزواج أرسلوا لها لمعرفة المبادئ الاسترشادية للولادة الطبيعية، رغم خشية بعض الرجال من تأثير الولادة القيصرية على الجنس.

وأصرًت مي الشامي على الولادة بشكل طبيعي وهو ما شجعها عليه طبيب ثاني، بعد أن نصحها الطبيب الأول بالولادة القيصرية. وأشارت إلى أن بعض الأطباء يثيرون مخاوف السيدات من تاثير الولادة القيصرية على العلاقة الحميمة.

تحديات جسام

رغم الآمال التي عقدها الخبراء من إجراءات الحكومة المصرية للتعامل مع مخاطرها إلا أن هناك تحديات كثيرة مازالت تواجه تطبيقها. وتتعلق بمدى وعي الأسر، ومدى توافر المتطلبات الطبية، وأعداد الطواقم الطبيبة، والفارق في الأجور بين القطاع الحكومي والخاص وغيرها من التحديات.

أكد الدكتور عبد المنعم شهاب، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب (البرلمان) المصري في حديثه مع DW عربية أنه لا يمكن القضاء على هذه الظاهرة بنسبة 100 ٪ لوجود تحديات مقاومة للتغيير خاصة من الأم نفسها لذلك طالب بتوعية الأسرة، كما طالب بتقنين الإجراءات الجديدة التي تبنتها الحكومة المصرية من خلال التنسيق مع البرلمان لإصدار قانون ملزم يجرًم هذه الظاهرة، على حد قوله.

في الوقت ذاته، طالب الدكتور عبد المنعم شهاب بتبني إجراءات عقابية بحق المخالفين. وأشار إلى أن انتشار الولادة القيصرية تضع أعباء اقتصادية كبيرة على المواطنين؛ إذ تصل تكلفتها ما بين 10 إلى 20 ضعف تكلفة الولادة الطبيعية، فضلاً عن ارتفاع تكلفة حاضنات الرضع.

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار