آخر الأخبار

عيد النائمين السبعة: قصة مسيحية تنبئ الألمان بالطقس

شارك
مصدر الصورة

في 27 يونيو/ حزيران من كل عام، تحتفل ألمانيا بعيد يحمل رمزية تاريخية ودينية عميقة، هو عيد "النائمين السبعة" (Siebenschläfertag)، ويُعتقد أن حالة الطقس في هذا اليوم تُنبئ بما سيكون عليه الطقس خلال الأسابيع السبع التالية. يُعد هذا العيد تقليداً شعبياً ألمانياً وليس مناسبة دينية رسمية.

ورغم أن الاسم مستمد من قصة دينية شهيرة عن "النائمين السبعة"، فإن يوم 27 يونيو يرتبط في ألمانيا بالتقاليد الزراعية والفلكلورية، فيما تُحيي الكنيسة الكاثوليكية تذكار النائمين السبعة في 27 يوليو، أي بعد شهر كامل، وفق تقويمها الليتورجي الرسمي.

ويعود أصل هذا الاعتقاد إلى عصور ما قبل المسيحية، إذ يُعتقد أن لهذا التقليد ضاربة في الثقافات القديمة، وربما في معتقدات المصريين القدماء، قبل أن يتبناه الرومان، ثم أعاد المسيحيون تأطيره ضمن تقويمهم السنوي.

القصة التي يرتبط بها هذا العيد تدور حول 7 شباب مسيحيين (أو 8 وفق بعض الروايات) عاشوا في القرن الثالث الميلادي، أثناء فترة الاضطهاد التي قادها الإمبراطور الروماني ديكيوس (دقيانوس)، حيث عذّب المسيحيين وقتلهم، صغاراً وكباراً، دون تمييز. في ذلك الوقت، لم يُرد الشبان السبعة إنكار إيمانهم بالمسيح، فبعد أن وزّعوا ممتلكاتهم على الفقراء، غادروا المدينة واختبأوا في كهف قريب من مدينة أفسس اليونانية القديمة، الواقعة على الساحل التركي الحالي، حتى يتوقف الاضطهاد.

وعندما وصل جنود الإمبراطور ديكيوس للكهف أمرهم بغلق مدخله، وذلك لكي يموتوا بداخله، عقاباً لهم على معصيتهم له.

عندما وصل جنود الإمبراطور ديكيوس إلى الكهف، أمرهم بغلق مدخله، لكي يموتوا بداخله، عقاباً لهم على معصيتهم له.

ومع اقتراب الخطر، صلّى الشباب السبعة وطلبوا من الرب أن يأخذ أرواحهم حتى لا يسقطوا أحياءً في يد ديكيوس، فاستجاب الرب لدعائهم، وهكذا بعد أن ناموا ليلاً، لم يستيقظوا في الصباح. وقد حدث ذلك في عام 250 ميلادية، وبعد ذلك بمئتي عام، وتحديداً في 27 يونيو/ حزيران من عام 450، استيقظوا من سباتهم العميق، وفق الرواية المسيحية.

ويُذكر أن الاحتفال الألماني بيوم "النائمين السبعة" كان يستند في الأصل إلى التقويم اليولياني، لكن بعد اعتماد التقويم الغريغوري في أوروبا عام 1582، بقي العيد الشعبي في ألمانيا يُحتفل به في 27 يونيو، رغم أن التاريخ الأصلي وفق الحساب الفلكي ينبغي أن يكون في أوائل يوليو.

وهكذا، دمج هذا العيد بين قصة قيامة النائمين السبعة والطقس الشعبي المتعلق بالتنبؤ بالجو، فشكّل تقويماً روحياً وطبيعياً في آنٍ واحد، مما جعله موروثاً عميق الجذور.

قصة شهيرة

مصدر الصورة

تقول دائرة المعارف البريطانية إن أصحاب الكهف في أفسس هم أبطال قصة شهيرة، ونظراً لأن قصتهم أكدت قيامة الأموات، فقد حظيت بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالمين المسيحي والإسلامي خلال العصور الوسطى.

لت الإمبراطورية البيزنطية بينما كانوا نائمين، حيث أصبحت المسيحية ديانة رسمية في عهد قسطنطين الأول، وتوطدت الدولة على أساس الإيمان المسيحي.

ومرّ قرنان وهم نائمون حتى قرر صاحب الأرض التي يقع فيها الكهف استخدامه حظيرة لماشيته، وعندما أزاح الحجر، وفقاً للأسطورة، وجد النائمين السبعة هناك. وعندما رأوه، استيقظوا وتخيلوا أنهم لم يناموا إلا ليوم واحد أو يومين. وحدث ذلك خلال فترة حكم الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الثاني في عام 450.

لقد استيقظ الفتية على عالم متغير، مملوء بمعالم دولة تبنّت العقيدة التي رفضها مضطهدوهم قبل قرنين.

وخرج أحدهم إلى المدينة بحثاً عن الخبز، فأُصيب بالدهشة لما رآه، إذ إن الأسواق قد تغيّرت، والصلبان تزدان بها المباني، والمسيحية رسخت كعقيدة رسمية في الإمبراطورية. وعندما حاول شراء الخبز، وجد أن المال الذي معه قد عفا عليه الزمن، فأيقن أنّ العالم لم يعد عالمهم، وأنّ ما ظنّه ليلة أو ليلتين، كان في الحقيقة قرنين من الزمن.

وقد اندهش الناس واستدعوا الأسقف، الذي استجوب الشبان السبعة، وهم يشرحون له قصة نومهم التي كانت بمثابة معجزة تخلط بين الإيمان والواقع، وتثبت مرة أخرى ما آمنوا به عن قيامة الجسد.

وبعد أن انتشرت قصتهم في القرى والمدن المجاورة، وصلت إلى مسامع إمبراطور القسطنطينية، الذي ذهب لرؤيتهم، فقال له أحدهم: "اسمح لنا أن نودّعك بسلام، وليكن الأمان في مملكتك".

وهكذا، بعد أن سردوا قصة نومهم الطويل وأهدافهم في النجاة، فارقوا الحياة. فأمر الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني ببناء ضريح مهيب لهم، ومنح العفو لكلّ الأساقفة الذين تعرّضوا للأذى أو الاضطهاد بسبب إيمانهم بنمط القيامة ذاته.

عدة نسخ

مصدر الصورة

وتُعدّ قصة أصحاب الكهف في أفسس من أكثر القصص الدينية والثقافية ثراءً، ولا تزال تلامس قلوب المؤمنين من مسيحيين ومسلمين على حدّ سواء، فضلاً عن إثارة اهتمام الأدباء والفنانين والمؤرخين.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إن هذه القصة موجودة في عدة نسخ وعدة لغات، حيث يرجّح بعض الباحثين أن سيميونو متافراستس هو صاحب السرد اليوناني الأصلي، كما توجد نسخة لاتينية أعدّها القديس غريغوريوس من تورز، وإصدار سرياني بواسطة يعقوب السروجي، وهو الإصدار الذي يُرجّح أن منه انبثقت النسختان القبطية والجورجية.

قد انتشرت الروايات حول هذه القصة عبر مختلف الثقافات، إذ عُثر على نسخة منها ضمن قصائد أنجلو-نورماندية، وفي جزء من قصيدة نوردية قديمة. وتنقل المصادر الغربية أسماء هؤلاء الفتية على أنهم: ماكسيميان، ومالكوس، ومارسيان، ويوحنا، ودينيس، وسرابيون، وقسطنطين، بينما تذكر المصادر الشرقية أسماء موازية هي: ماكسيميليان، ويامبليخوس، ومارتن، ويوحنا، وديونيسيوس، وأنطونيوس، وقسطنطين.

ورُويت نسخة من القصة في السورة الثامنة عشرة من القرآن، التي تحمل اسم "سورة الكهف". ففي القرآن ترد قصة هؤلاء الفتية الذين لجأوا إلى كهفهم خوفًا على دينهم، كما جاء نصًا: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا" (الكهف: 9–11).

وبينما تتحدث الروايات المسيحية عن مكوثهم في الكهف لقرنين، جاء في الآية 25 من نفس السورة القرأنية :"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً"، والتي تبين أن هؤلاء الشبان ناموا في الكهف لأكثر من 300 سنة متواصلة.

واليوم، تستمر قصة أصحاب الكهف داخل المناهج الدينية والتربوية في العالم العربي، فهي تُروى للأطفال كدرس في الصبر والثبات، وتُذكر في المحافل الثقافية كرمز لوحدة التراث بين الأديان.

مصدر إلهام

مصدر الصورة

لقد اكتشف الباحثون الأثريون في القرن العشرين موقع الكهف قرب مدينة سلجوق (أفسس القديمة)، وبدأوا التنقيب حيث عثروا على مقابر تضم رفاتاً عدة، مزينة بنقوش تذكر القصة. ويزور السياح والحجاج اليوم هذا الموقع، كما توجد مواقع مشابهة له في العاصمة السورية دمشق وأيفشين التركية.

وتفاعل التراث الفني معها، إذ سكنت القصة لوحات الفنانين، وخيال الشعراء، وصارت مثالاً على إمكانية تجاوز الزمن للحفاظ على مبدأ، وعلى إمكانية اللقاء مجدداً مهما طال الانتظار.

لا تزال القصة، إلى اليوم، محطّ اهتمام علماء التاريخ والدراسات الدينية، الذين يحاولون تتبّع تفاصيلها وتحليلها من منظور أدبي، ولاهوتي، وفلسفي، بل وحتى نفسي، لما تحمله من أبعاد عن النوم كحالة فاصلة، وحضور للحياة خارج حدود الزمن، وحلم بانتظار يوم تتكشّف فيه الحقائق وتنقشع الظلمات.

لقد ظلّت هذه القصة على امتداد العصور نموذجاً ملهِماً، يحمل البشر على تجاوز محنهم، وينير لهم الدرب نحو حياة يحدوها الأمل. ومع زيادة التواصل العالمي، تحمل القصة حضوراً يربط بين التاريخ والإيمان، وبين الزمان والرمز، وتُذكّرنا بأن الإنسان قادر على الانتقال بين زمنه المحدود وزمن الروح الأبدية.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار