ماذا لو كان لديك مساعد ذكي يستطيع فهم ملاحظاتك واحتياجاتك بعمق، لا لتنفيذ الأوامر فقط، بل ليصبح جزءا من طريقتك في التفكير؟
ففي عصر تغزو فيه عقولنا ومتصفحاتنا بحارا من المعلومات، أطلقت غوغل بهدوء أداة تُحدث ضجة في عالم الذكاء الاصطناعي . "نوت بوك إل إم" (NotebookLM) الذي بدأ مشروعا متواضعا باسم "تلويند" (Project Tailwind) في مؤتمر "غوغل آي أو" (Google I/O) في مايو/أيار 2023، وتطور ليصبح أداة قوية تفتح آفاقا جديدة أمام الباحثين والطلاب والمبدعين.
فبينما تعتمد النماذج الأخرى مثل "ديب سيك" و" شات جي بي تي " على معالجة اللغة البسيطة، يقدم "نوت بوك إل إم" شيئا مختلفا تماما. فتخيل أن يكون لديك مساعد بحث لا يعرف التعب، ولا يشتكي، ويمكنه معالجة 25 مليون كلمة أسرع مما يمكنك قول "فرط المعلومات".
إنه ليس مجرد تطبيق لتدوين الملاحظات، بل أداة لتلخيص وفهم المعلومات الشخصية، مما يجعلك تتساءل: هل أصبح الذكاء الاصطناعي بارعا بما فيه الكفاية لفهم ما نقرؤه كما يفعل العقل البشري؟
يعدّ "نوت بوك إل إم" منتجا جديدا وفريدا من غوغل، وهو نموذج لغوي كبير (Large Language Model) مبني باستخدام "جيميني 1.5" (Gemini 1.5) ويتميز بتركيزه الحصري على مصادر المعلومات التي يضيفها المستخدم، مما يجعله بمثابة خبير ذكاء اصطناعي مخصص لبياناتك الخاصة.
وانطلاقا من إدراكها لمعاناة الناس من فرط المعلومات وتشتتها، أطلقت غوغل هذا البرنامج في 12 يوليو/تموز 2023 بهدف تسهيل جميع الحقائق والأفكار من مصادر متعددة.
ويكمن الفرق الجوهري بين "نوت بوك إل إم" وروبوتات الدردشة التقليدية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في أن الأول يتيح للمستخدم تأسيس النموذج اللغوي على ملاحظاته ومصادره الخاصة، مما يعزز دقته وملاءمته لاحتياجاته.
وبصفته مساعدا متخصصا للبحث والدراسة، يمتلك "نوت بوك إل إم" القدرة على تدوين الملاحظات من أجل التقاط المعلومات وتنظيمها بفعالية. كما يوفر وصولا سهلا وسريعا لمختلف التفاصيل التي تحتاجها، مهما بلغ حجم البيانات المضافة.
وتعمل الأداة كمساعد شخصي بنمط أمين مكتبة رقمي، حيث يمكنها التعاون معك في إجراء البحوث، وكتابة الأوراق البحثية، بل والمساهمة في تطوير مشاريعك أيضا.
في البداية، كان بإمكان المستخدمين تحميل مستندات "غوغل" وملفات "بي دي إف" (PDF) والملفات النصية فقط.
لكن في يونيو/حزيران 2024، وسّعت "غوغل" إمكانات "نوت بوك إل إم" من خلال إضافة ميزات جديدة، شملت دعما لمصادرَ إضافية مثل عروض غوغل التقديمية (Google Slides) وعناوين "يو آر إل" (URL) لمواقع الويب. كما أصبح بالإمكان إضافة روابط مقاطع فيديو "يوتيوب" وملفات الصوت كمصادر للمعلومات.
أما عن الحدود التقنية، فيسمح النظام حاليا بتحميل ما يصل إلى 50 مصدرا، بحدّ أقصى 500 ألف كلمة لكلّ مصدر، ويشترط عند استخدام روابط "يوتيوب" أن تكون المقاطع عامة ومزودة بنسخةٍ نصية متاحة.
"نوت بوك إل إم" لا يزال في مراحله التجريبية الأولى، ولا توجد حاليا أي رسوم لاستخدامه، فهو منتج تجريبي طوره فريق صغير ضمن "غوغل لابس" (Google Labs) واضعا نصب عينيه هدفين رئيسيين:
ويمكن للمستخدم مشاركة ملاحظاته مباشرة داخل "نوت بوك إل إم" أو عبر مستندات غوغل (Google Doc) أو من خلال خادم "ديسكورد" (Discord Server) المخصص للمنتج.
وفي خطوة توسعية هامة تؤكد على رؤية غوغل لـ "نوت بوك إل إم" كأداة محورية في العملية التعليمية، أعلنت غوغل عن إتاحة الأداة للمستخدمين الذين تقلّ أعمارهم عن 18 عامًا في الأشهر المقبلة، وهي المرة الأولى التي تُتاح فيها هذه القدرات القويّة للقصّر.
وسيتمكن الطلاب من استخدام "نوت بوك إل إم" للوصول إلى أدوات دراسية تفاعلية ومراجعات صوتيّة شبيهة بالبودكاست، وكلّ ذلك مستند إلى المواد التي يرفعها المعلّمون.
وتعزز هذه الخطوة من دور "نوت بوك إل إم" كمساعد ذكي وشخصي للطلّاب، يتكامل بشكل وثيق مع جهود المعلّمين الذين بات بإمكانهم إنشاء "جواهر" (Gems) مخصصة باستخدام قدرات "جيميناي" (Gemini) وهي أدوات ذكاء اصطناعي صغيرة مبنية على المنهج الدراسي يُمكنهم مشاركتها مع الطلاب.
ويسمح هذا للطلاب بالتفاعل مباشرة مع هذه "الجواهر" للحصول على مساعدة إضافية أو التعمق في موضوع معيّن، مما يثري تجربة التعلم ويعمق فهم المحتوى الدراسي الذي يوفره المعلمون عبر "نوت بوك إل إم".
يأخذ "نوت بوك إل إم" في تنظيمه شكل المجلد أكثر من كونه دفتر ملاحظات تقليديا، حيث تُعرض المصادر ضمن علامات تبويب قابلة للتوسيع، مما يسهل استعراض كل قسم على حدة.
وإذا أنشأت عدة دفاتر ملاحظات، فسيبقى كل واحد منها منفصلا، مما يعني أن "نوت بوك إل إم" لا يستطيع الوصول إلى معلومات من دفاتر مختلفة في الوقت نفسه.
أما بالنسبة للتحديثات، فيتم تحديث المصادر بشكل تلقائي. وعند تحميل مستند غوغل أو عرض شرائح أو ملف "بي دي إف" أو نص من جهازك، ينشئ التطبيق نسخة من الملف الأصلي. وإذا طرأ أي تعديل على الملف المصدر، سيقوم "نوت بوك إل إم" بإعلامك بذلك، لتتمكن من اختيار ما إذا كنت تريد تحديث المصدر وتعكس التحديثات في محتواه.
يعتمد "نوت بوك إل إم" على قدرات "جيميني 1.5" متعددة لتحليل المصادر التي أضفتها، وإيجاد روابط ذكية ومثيرة للاهتمام بينها.
وكما هو الحال مع "جيميني" في "غوغل وورك سبيس" (Work Space) يمكن للمستخدمين الاستفادة من أدوات تساعد في المهام الإبداعية مثل العصف الذهني، إلى جانب الحصول على إجابات دقيقة للاستفسارات المعرفية.
ولا يقتصر دور "دليل نوت بوك" المحمل تلقائيا، بل يتعداه لِيقترح أسئلة عميقة، ويقدم خيارات لإنشاء محتوى بصيغ متنوعة مثل الجداول الزمنية أو الأدلة الدراسية.
ويمكن للمستخدم طرح الأسئلة مباشرة، حيث تولد الإجابات حصريا من المصادر التي تم تحميلها، مع تضمين اقتباسات توضح المرجع الأصلي لكل معلومة، مما يتيح التحقق من دقتها بسهولة.
يوفر "نوت بوك إل إم" نوعين من الملاحظات يمكن الاستفادة منهما بطرق مختلفة:
١- الردود المحفوظة: سواء كانت مقتطفات من تفاعلاتك السابقة في الدردشة أو اقتباسات من مصادر المعلومات.
وغالبا ما تتضمن هذه الردود مراجع واضحة تتيح لك الرجوع بسهولة إلى موقعها الأصلي في المصدر. وتجدر الإشارة إلى أن الردود المحفوظة تكون للعرض فقط، أي لا يمكن تعديلها.
٢- الملاحظات المكتوبة: وتقوم بتأليفها بنفسك، وتتميز بإمكانية التعديل المستمر. وتصف غوغل "التنظيم والإبداع" (Curate and Create) كأحد أبرز مسارات العمل الفعالة في "نوت بوك إل إم".
وعند تمييز هذه الملاحظات، سيقترح النظام إجراءات متعددة، منها:
وعلاوة على ذلك، يمكنك استخدام ملاحظاتك المكتوبة كمصدر للمعلومات. وما عليك سوى تحديد جميع الملاحظات التي أنشأتها، وطرح سؤال على "نوت بوك إل إم" لتكون الإجابة مبنية بالكامل على المحتوى الذي كتبته بنفسك.
من الناحية التقنية، نعم، يمكن لـ"نوت بوك إل إم" أن يصدر معلومات غير دقيقة، تماما كما هو الحال مع أي نموذج ذكاء اصطناعي. ومع ذلك، فإن احتمال حدوث ذلك يكون أقل نسبيا.
فقد كتبت غوغل في مدونتها "في حين أن اعتماد (نوت بوك إل إم) يبدو أنه يقلل من خطر هلوسة النموذج، فمن المهم دائما التحقق من دقة استجابات الذكاء الاصطناعي مقابل المواد المصدرية الأصلية".
وعلى نفس المنوال، أشارت صحيفة "ذا فيرج" (The Verge) إلى ما قالته رايزا مارتن مديرة المنتجات الأولى في "غوغل لابس" (Google Labs) -في حديثها للصحفيين- مؤكدة أن "نوت بوك إل إم" "نظام مغلق" أي أنه لا يجري أي عمليات بحث على الإنترنت، باستثناء قراءة المحتوى الذي يضيفه المستخدمون.
ومن جهة أخرى، يمكن لـ"نوت بوك إل إم" توليد ما يسمى "النظرات العامة الصوتية" (Audio Overviews) وهي مقاطع شبيهة بالبودكاست، يقوم فيها "مضيفون" بمناقشة المحتوى الخاص بك بأسلوب محادثة باستخدام الاستعارات.
ومع أن هذه الميزة مبتكرة، فقد نوهت غوغل إلى أنها لا تزال في المرحلة التجريبية، وقد تتضمن بعض الأخطاء في الأداء الصوتي.
بينما تعدّ الوعود النظرية مثيرة للاهتمام، فإن التجربة العملية تبقى الدليل الحقيقي لقدرات الأداة. ولهذا قررت اختبار "نوت بوك إل إم" في سياق موضوع علمي متخصص "العلاقة بين صحة الفم والأسنان والإصابات الرياضية" لمعرفة مدى كفاءتها في التعامل مع الملفات البحثية والإجابة عن الأسئلة الدقيقة.
وإليكم تجربتي العملية خطوة بخطوة:
وكانت مدة المراجعة 14 دقيقة، حيث يقوم شخص بطرح الأسئلة بشأن الدراسات، وآخر يجيب بناء على المصادر التي أضافتها للأداة.
وأشارت إحدى الدراسات إلى مقارنة، بين لاعبي كرة السلة المحترفين ونظرائهم شبه المحترفين، أن الإصابات السنية كانت أعلى لدى المحترفين (50% مقابل 42%). ورغم وجود بعض المقارنات بين المحترفين وغير الرياضيين، فإن الأدلة لا تكفي لاستخلاص استنتاجات دقيقة حول الفروقات بين المحترفين والهواة بهذا السياق.
وكانت جميع هذه الإجابات مبنية على المصادر التي حددتها للأداة، وأمام كل إجابة وجدتُ رقما إذا نقرت عليه سيأخذني مباشرة وبالتحديد إلى الفقرة التي أخذت منها الأداة المعلومات من بين الدراسات الأربع.
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكنك التحكم في تحديد مصدر أو أكثر ضمن المصادر التي أضفتها لِتعتمده الأداة كمرجع لتحليل المعلومات والإجابة على الأسئلة.
استخدمتُ ميزة "سيف تو نوت" (Save to Note) لحفظ الإجابات المهمة، وبدأت بكتابة ملاحظاتي الشخصية بالعربية كما أحتاجها بناء على ما قرأته، ثم قمت بحفظها، وكل هذا في الواجهة نفسها.
ويمكنني أن ألخص أبرز النقاط التي ظهرت خلال استخدام "نوت بوك إل إم" وفهم كيفية استفادتي منها في النقاط التالية:
وفي النهاية، يمكن القول إن "نوت بوك إل إم" أداة فعّالة جداً للمستخدمين الذين يحتاجون إلى تحليل أبحاث علمية معقدة وإنتاج ملخصات أو مراجعات مفهومة، وتعتبر من الأدوات القوية في تسهيل الوصول إلى المعلومات وتنظيمها.
في ظل الحاجة المتزايدة إلى أدوات ذكية تدير المعرفة وتختصر الوقت والجهد، يطرح "نوت بوك إل إم" نفسه كنموذج قادر على إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والمعلومة.
فبدلا من الاكتفاء بمحركات البحث أو أدوات التلخيص التقليدية، يقدم هذا المساعد نهجا تفاعليا وشخصيا، يصبح من خلاله جزءا من عملية الفهم والتفكير.
وتخيل مثلا طالبا جامعيا يجمع ملاحظاته من مصادر متعددة، ثم يطلب من "نوت بوك إل إم" مساعدته في إعداد ورقة بحثية متكاملة، لا تقوم على النسخ واللصق، بل على التحليل والتقاطع بين الأفكار، وتوليد رؤى جديدة استنادا إلى ما قرأه ودوّنه. وهذا ليس خيالا علميا بل هو واقع آخذ في التكوّن.
ولكن، رغم أن الأداة مثيرة للإعجاب بالفعل، تبقى الأسئلة مفتوحة:
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة