تتنافس كبرى شركات التكنولوجيا حول من يتحمل مسؤولية سلامة الأطفال على الإنترنت، مع غرامات بمليارات الدولارات على المحك، حيث تُقرّ الولايات المختلفة في أميركا بسرعة قوانين متضاربة تُلزم الشركات ب التحقق من أعمار المستخدمين.
وقد وضع هذا الصراع شركة ميتا ومطوري تطبيقات آخرين في مواجهة مع شركتي "أبل" و"غوغل"، مالكتي أكبر متجرين للتطبيقات في العالم.
وتتنقل جماعات الضغط من كلا الجانبين من ولاية لأخرى، سعيًا لتخفيف أو إعادة توجيه التشريعات للحد من المخاطر التي تهدد مصالح عملائها، بحسب تقرير لوكالة بلومبرغ، اطلعت عليه "العربية Business".
وهذا العام وحده، أقرّت ثلاث ولايات على الأقل -هي يوتا وتكساس ولويزيانا- تشريعات تُلزم شركات التكنولوجيا بالتحقق من أعمار المستخدمين، والحصول على موافقة الوالدين لأي شخص دون سن 18 عامًا، وضمان حماية القاصرين من التجارب الرقمية التي قد تكون ضارة.
والآن، تتدفق جماعات الضغط من الشركات الثلاث إلى ولايتي ساوث كارولينا وأوهايو، وهما الولايتان التاليتان المتوقع أن تدرسا تشريعات مماثيلة.
واكتسب النقاش بعدًا جديدًا من الأهمية بعد أن قضت المحكمة العليا هذا الصيف بأن قوانين التحقق من السن دستورية في بعض الحالات. وقدمت مجموعة تكنولوجية يوم الأربعاء التماسًا إلى المحكمة العليا لعرقلة قانون التحقق من السن على مواقع التواصل الاجتماعي في ولاية ميسيسيبي، مما يُمهّد الطريق لقرار بالغ الأهمية في الأسابيع القليلة المقبلة.
يقول المدافعون عن حقوق الطفل إن تحميل شركات التكنولوجيا مسؤولية التحقق من أعمار مستخدميها أمرٌ أساسي لخلق تجربة إنترنت أكثر أمانًا للقاصرين. وزعم الآباء والمدافعون عن هذا الأمر أن مواقع التواصل الاجتماعي تجعل الأطفال في فضاءات رقمية غير آمنة ومضرة، مما يُعرّض الشباب لمحتوى ضارّ يتعلق بإيذاء النفس، واضطرابات الأكل، وتعاطي المخدرات، وغيرها.
ويجادل مؤيدو "ميتا" بأن متاجر التطبيقات هي التي تتحمل مسؤولية التحقق مما إذا كان القاصرون يصلون إلى محتوى غير مناسب. في المقابل، تُجادل "أبل" و"غوغل" بأن قوانين التحقق من السن تنتهك خصوصية الأطفال، وتؤكدان أن التطبيقات الفردية في وضع أفضل لإجراء عمليات التحقق من السن.
تضع القوانين الثلاثة الجديدة في الثلاث ولايات المسؤولية على عاتق متاجر التطبيقات، مما يشير إلى أن حجج "ميتا" تكتسب زخمًا.
ومارست الشركة ضغوطًا لدعم قوانين ولايتي يوتا ولويزيانا التي تُحمّل "أبل" و"غوغل" مسؤولية تتبع أعمار مستخدميهما. وقد طُرحت مقترحات مماثلة مدعومة من "ميتا" في 20 ولاية. ومن شأن التشريع الفيدرالي الذي اقترحه السيناتور الجمهوري مايك لي من ولاية يوتا أن يُحمّل متاجر التطبيقات مسؤولية التحقق من أعمار المستخدمين.
ومع ذلك، فإن سجل ميتا في حملاتها على مستوى الولايات متباين. فقد أقرّت ثماني ولايات على الأقل قوانين منذ عام 2024 تُلزم مواقع التواصل الاجتماعي بالتحقق من أعمار المستخدمين وحماية القاصرين على الإنترنت. وقد حشدت "أبل" و"غوغل" العشرات من جماعات الضغط في تلك الولايات للدفع بأن "ميتا" تتهرب من مسؤولية حماية الأطفال.
وقالت دانييل كوهين، المتحدثة باسم "غوغل": "نرى أن التشريع الذي تدفع به ميتا هو محاولة للتنصل من مسؤولياتها في الحفاظ على سلامة الأطفال"، مضيفة: "هذه المقترحات تُشكل مخاطر جديدة على خصوصية القاصرين، دون معالجة فعليًا للأضرار التي تدفع المشرّعين للتحرك".
وردّت المتحدثة باسم شركة ميتا، راشيل هولاند، قائلةً إن الشركة تدعم النهج الذي يفضله الآباء الراغبون في حماية أطفالهم على الإنترنت.
وقالت هولاند: "الآباء يريدون مكانًا مركزيًا واحدًا للإشراف على حياة أبنائهم المراهقين على الإنترنت و80% من الآباء والمشرعين الأميركيين من الحزبين في 20 ولاية والحكومة الفيدرالية يتفقون على أن متاجر التطبيقات هي الأفضل لتوفير ذلك".
ومع استمرار تبلور القوانين واللوائح التنظيمية، اتخذت كل شركة خطوات طوعية لحماية الأطفال على الإنترنت. وطبّقت "ميتا" إجراءات حماية جديدة لتقييد وصول المراهقين إلى المحتوى "الحساس"، مثل المنشورات المتعلقة بالانتحار وإيذاء النفس واضطرابات الأكل. وأنشأت شركة أبل حسابات للأطفال تمنح الآباء مزيدًا من التحكم في نشاط أطفالهم على الإنترنت.
وقال بيتر أجيميان، المتحدث باسم "أبل"، إن الشركة "ستطلق قريبًا ميزتنا الجديدة للتحقق من العمر التي تُمكّن الآباء من مشاركة الفئة العمرية لطفلهم مع التطبيقات دون الكشف عن معلومات حساسة".
تساعد "ميتا" في تمويل تحالف الطفولة الرقمية (Digital Childhood Alliance)، وهو ائتلاف من الجماعات المحافظة التي تقود جهودًا لإقرار التحقق من العمر في متاجر التطبيقات، وفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على عملية التمويل.
وقالت كايسي ستيفانسكي، المديرة التنفيذية للتحالف، إنه يضم أكثر من 100 منظمة ومدافع عن سلامة الأطفال، ممن يضغطون من أجل تشريعات أكثر صرامة تُحمّل متاجر التطبيقات مسؤولية ما يحدث.
وأضافت ستيفانسكي أن التحالف اجتمع مع شركة غوغل "عدة مرات" في الأشهر الأخيرة لمشاركة مخاوفهه بشأن متجر التطبيقات التابع للشركة.
وتُطلق رابطة التطبيقات (App Association)، وهي مجموعة مدعومة من "أبل"، إعلانات في تكساس وألاباما ولويزيانا وأوهايو، زاعمة أن مشروعات قوانين التحقق من السن في متاجر التطبيقات مدعومة من مواقع وشركات المحتوى الفاضح، وهو ما نفته جماعة ضغط رئيسية.
وقال جاك فليمنغ، المتحدث باسم رابطة التطبيقات: "هذا النهج المُوحد يُبنى لحل المشكلات لدى منصات التواصل الاجتماعي في أنظمتها فيما يجعل أعضاءنا، شركات التكنولوجيا الصغيرة ومطوري التطبيقات، ضرر جانبي".