قبل 73 عاما ظهر مصطلح "الأجسام الطائرة المجهولة"، لوصف أي جسم أو ضوء يُرى في الجو أو الفضاء القريب، ولا يمكن للمشاهد أو للجهات المختصة تفسيره مباشرة باستخدام المعرفة أو البيانات المتاحة في ذلك الوقت.
وصاغ سلاح الجو الأميركي هذا المصطلح، ليكون بديلا أكثر انضباطا لمصطلح "الأطباق الطائرة" الذي انتشر بعد بلاغ الطيار الأميركي كينيث آرنولد عن رؤيته أجساما غريبة قرب جبل راينيير "شمال غرب الولايات المتحدة الأميركية".
ومنذ تم صك هذا المصطلح عام 1952، كان التطور الوحيد الملموس في هذا الملف بعد تواتر رصد تلك الأجسام مع تطور الأقمار الصناعية، هو سعي الجهات رسمية، مثل وزارة الدفاع الأميركية وناسا، إلى استخدام مصطلح آخر جديد منذ عام 2017، وهو "ظواهر جوية غير محددة"، لكن بخلاف التعديلات على المصطلح، ظلت تلك الأجسام بلا تفسير علمي محدد، وكان الباحثون يقتربون من تلك المنطقة بحذر بالغ.
ومع ذلك، لم تنقطع من حين لآخر محاولات فهمها، ومنها دراسة جديدة أخذت طريقا مختلفا، وهو العودة للماضي، إذ حللت صورا قديمة، قدمت من خلالها ملاحظات، ربما تقود لتفسير لتلك الأجسام.
وكانت وسيلة التصوير المتاحة آنذاك هي "الألواح الزجاجية الفوتوغرافية"، وهي لوحات زجاجية مطلية بمادة حساسة للضوء تُستخدم لتسجيل صور دقيقة للسماء والنجوم قبل ظهور الكاميرات الرقمية، حيث توضع هذه الألواح داخل التلسكوبات أثناء التعريض الطويل، فتترك الأشعة القادمة من النجوم والمجرات آثارا دقيقة عليها، مخلفة صورة ثابتة يمكن حفظها لعقود، وعلى الرغم من ثقلها وحساسيتها للخدوش والغبار، كانت هذه الألواح أداة أساسية للفلكيين لتوثيق السماء بشكل لم يكن ممكنا بأي وسيلة أخرى آنذاك.
وخلال الدراسة أعاد فريق بحثي دولي فحص نسخا رقمية للآلاف من تلك الألواح الزجاجية الفوتوغرافية التي استخدمت في أول مسح سماوي لمرصد بالومار (1958/1949)، حيث كانت هذه الألواح تستخدم لتصوير السماء بتعريضات طويلة (50 دقيقة)، وكانت النتيجة هي العثور على ومضات ضوئية عابرة في 310 ليال، وفي بعض الأيام، ظهرت آلاف الومضات ثم اختفت تماما، ولم تُرصد مرة أخرى في أي مسح فلكي لاحق.
وعند مقارنة توقيت هذه الومضات مع تواريخ التجارب النووية الجوية خلال الحرب الباردة، وبلاغات الأجسام الطائرة المجهولة المسجلة تاريخيا، وجد الباحثون أن الومضات كانت أكثر بنسبة 45% قرب أيام التفجيرات النووية، وكانت كل زيادة في تقارير الأجسام الطائرة المجهولة في يوم معين، تقابلها زيادة في عدد الومضات، ووصف الباحثون هذا الترابط بأنه "أكثر من مجرد صدفة إحصائية".
وكان المميز في تلك الومضات كما ذكر الباحثون في دراستهم، هو اصطفافها في خطوط مستقيمة، واختفاؤها التام بدون أثر، وظهورها كنقاط حادة جدا تشبه النجوم، وهو ما يميزها عن ومضات أخرى معروفة في الفلك، والتي غالبا ما يكون مصدرها انفجارات نجمية، شهب، كويكبات، وأخطاء تصويرية.
وطرح الباحثون عدة تفسيرات محتملة لهذه الومضات الفريدة، منها أنها ربما تكون آليات فلكية نادرة لم تُوثق جيدا في منتصف القرن الماضي، وقد تؤدي التفجيرات الجوية إلى قذف مواد معدنية أو غبار مشع إلى طبقات عليا من الغلاف الجوي، فتظهر كنقاط ضوئية مؤقتة، وأخيرا، جاء التفسير الأكثر إثارة للجدل، وهي أنها "أجسام طائرة مجهولة".
وتستند تلك الفرضية الأخيرة إلى أن بعض الومضات الضوئية التي رُصدت في أرشيف الخمسينيات لم تكن عشوائية، بل ظهرت أحيانا مصطفة في خطوط مستقيمة، وقلت بشكل ملحوظ عندما كانت في ظل الأرض، وهذه الأنماط المثيرة للاهتمام دفعت الباحثين للتفكير بأن الضوء ربما كان ينعكس عن أجسام صلبة في مدارات عالية فوق الأرض، قبل ظهور أي أقمار صناعية، وإذا صح هذا الاحتمال، فإن هذه الومضات قد تكون دليلا على وجود أشياء في الفضاء لم نفهم طبيعتها بعد، وهو ما يجعلها واحدة من أكثر الفرضيات جدلا وإثارة للفضول العلمي.
ومع أن الدراسة لم تنحز لأي فرضة من الفرضيات الثلاث، فإن عددا من الفلكيين غير المشاركين في الدراسة -ومنهم مايكل غاريت، مدير مركز جودريل بانك للفلك بجامعة مانشستر في المملكة المتحدة- دعوا إلى الحذر في التعامل مع البيانات التي تم الاستناد عليها في بناء تلك الفرضيات.
وقال لموقع "لايف ساينس"، إن "جودة البيانات التاريخية محدودة، كما أن الألواح المستخدمة تمثل نسخا رقمية وليست أصلية، وأخيرا، فإن الخدوش والغبار وعيوب التصوير قد تخلق أنماطا وهمية".
ودعا غاريت إلى إعادة فحص الألواح الأصلية تحت المجهر، ومقارنة النتائج بالمواد الأرشيفية من مراصد أخرى، كخطوة حاسمة قبل أي استنتاجات كبيرة.
وأبدى ديفيد ويندت، عالم من جامعة كولومبيا، حماسا أكبر لهذه الدراسة، وقال: "أعتقد أننا قد ننظر لاحقا إلى نشر نتائجها كنقطة تحول نحو قبول دراسة الأجسام الطائرة المجهولة كموضوع بحثي علمي جدير بالتحقيق الأكاديمي والتغطية الإعلامية المسؤولة".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة