في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كان من المفترض أن يمثل الاتفاق التجاري الذي أبرم في الصيف بين الاتحاد الأوروبي وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقطة تحول في العلاقات عبر الأطلسي بعد أشهر من عدم اليقين. لم يكن الحد الأقصى للرسوم الجمركية البالغ 15 بالمائة مثاليا، لكن قادة دول الاتحاد الأوروبي قبلوه كثمن للحد من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة. كان هذا هو الحال على الأقل حتى أعاد دونالد ترامب إشعال النزاع من جديد.
إذ يهدد الرئيس الأمريكي الآن بفرض رسوم جمركية جديدة كإجراء انتقامي ضد الضرائب الأوروبية على الخدمات الرقمية والقواعد المتعلقة باالتكنولوجيا ويتهم الاتحاد الأوروبي بمعاملة عمالقة التكنولوجيا الأمريكية مثل غوغل و أمازون معاملة غير عادلة. ومع التهديد بفرض رسوم جمركية جديدة أصبح السلام التجاري مرة أخرى على المحك.
في منشور على Truth Social مؤخرا حذر ترامب من أن الدول التي تفرض مثل هذه الضرائب والقواعد التنظيمية يجب أن تتوقع "رسوما جمركية إضافية كبيرة" وقيودا على تصدير التكنولوجيا الأمريكية المتطورة. وطالب بإلغائها على الفور، واصفا غياها "بالتمييزية" في حين أنها تمنح "أكبر شركات التكنولوجيا الصينية حرية التصرف".
تقوم شركات التكنولوجيا الأمريكية بتحويل أرباحها عبر مراكز ضريبية منخفضة الضرائب في أوروبا مثل لوكسمبورغ وأيرلندا.صورة من: picture-alliance/Romain Fellen/DWفي حين أن لوائح الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالتكنولوجيا والاحتكارات كانت شوكة في حلق مختلف الحكومات الأمريكية لأكثر من عقد من الزمن، فإن قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية الصادرين عن الاتحاد الأوروبي أصبحا الآن في مرمى نيران ترامب.
إذ تنص هذه المبادئ التوجيهية على قواعد صارمة لتنظيم المحتوى عبر الإنترنت، وتهدف إلى تنظيم شركات التكنولوجيا الأمريكية المهيمنة مثل ميتا و آبل وغوغل. و يمكن لدول الاتحاد الأوروبي أيضا فرض ضرائب خاصة بها على الخدمات الرقمية والتي تُفرض على إيرادات شركات التكنولوجيا داخل حدودها، لا سيما من الإعلانات عبر الإنترنت وتحويل بيانات المستخدمين إلى أموال.
على الرغم من عدم وجود ضريبة على الخدمات الرقمية على مستوى الاتحاد الأوروبي، إلا أن سبع دول أوروبية قد فرضت ضرائب وطنية حتى الآن من بينها فرنسا وإيطاليا واسبانيا. وقد فرضت المملكة المتحدة التي لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي ضريبة مماثلة بنسبة 2 بالمائة على إيرادات المنصات الإلكترونية الكبرى. وكانت الإيرادات السنوية من هذه الضريبة التي تبلغ 800 مليون جنيه إسترليني (1.08 مليار دولار أمريكي، 900 مليون يورو) نقطة خلاف في المحادثات التجارية الأخيرة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ويقول رويل دوم، الاقتصادي والباحث في مركز الأبحاث الأوروبي Bruegel لـ DW: "يسود رأي في أوروبا بأن شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى على وجه الخصوص تحقق أرباحا كبيرة في الاتحاد الأوروبي ولا تخضع لضرائب عادلة هنا وأنه ينبغي علينا بذل المزيد من الجهود لفرض ضرائب عليها في المكان الذي تحقق فيه أرباحها".
يبدو أن تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على التكنولوجيا قد فاجأ السياسيين في الاتحاد الأوروبي، حيث جاء بعد أسابيع قليلة من إبرام اتفاق تجاري. ودافع المتحدث الرسمي باسم المفوضية الأوروبية عن حق الاتحاد الأوروبي السيادي في تنظيم سوق التكنولوجيا والرقمنة، لكنه أقر بأن تحذير الرئيس الأمريكي كان "استثنائيا وغير متوقع".
يقول رِم كورتيويغ، زميل أول في معهد كلينغندايل الهولندي للأبحاث "تريد الولايات المتحدة في الأساس استثناء للشركات الأمريكية، لا سيما فيما يتعلق بواجبات العناية الواجبة وسلامة الأغذية". ويضيف في حديثه مع DW "ربما تكون مستعدة للتفاوض بشأن الضرائب ولكن كما نعرف ترامب فإنه سيتخذ موقفا متشددا في البداية".
لم يتم حتى الآن طلب أي استثناء رسمي من هذه القواعد الأوروبية. لكن ضغط إدارة ترامب من أجل تحسين وصول المزارعين الأمريكيين إلى سوق الاتحاد الأوروبي ومعارضة قانون آخر للاتحاد الأوروبي يهدف إلى تحسين المعايير الأخلاقية في التجارة العالمية يشيران إلى رغبة واضحة في الحصول على استثناءات تساعد الشركات الأمريكية على تجنب العبء الكامل لمعايير الاتحاد الأوروبي.
وتُلزم توجيهات الاتحاد الأوروبي بشأن واجب العناية الواجبة للشركات في مجال الاستدامة، الشركات بمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان أو الأضرار البيئية داخل سلاسل التوريد العالمية الخاصة بها، وقد تعرضت لانتقادات في الولايات المتحدة وأوروبا باعتبارها مفرطة في عبئها.
تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية تسبب صداعا جديدا لرئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاينصورة من: picture alliance/Newscom/DANIEL TOROKفي ضوء التهديدات الجمركية الجديدة من ترامب ترى جوديث أرنال من مركز أبحاث، معهد إيلكانو رويال/ Elcano Royal Institute الإسباني، أن "خطر المواجهة" بين واشنطن وبروكسل لا يزال "حقيقيا للغاية". وتشير إلى أن شركتين تكنولوجيتين أمريكيتين عملاقتين قد تفرض عليهما بالفعل "غرامات مالية كبيرة" من الاتحاد الأوروبي ، لأن الاتحاد مستعد تماما لفرض مبادئه بطرق مختلفة.
بعد أيام قليلة من قنبلة الرسوم الجمركية التي أطلقها ترامب في "يوم التحرير" في أبريل/ نيسان الماضي تم تغريم شركة آبل بمبلغ 500 مليون يورو لأنها منعت مطوري التطبيقات من إرشاد المستخدمين إلى عروض أرخص خارج متجر آبل للتطبيقات. وتلقت شركة ميتا غرامة قدرها 200 مليون يورو لأنها أجبرت المستخدمين على الدفع مقابل استخدام خالٍ من الإعلانات أو الموافقة على الإعلانات المخصصة. و"الغرض من هذه القواعد ليس معاقبة الشركات الأمريكية، بل ضمان المنافسة العادلة والأسواق الرقمية التي تحترم القيم الأوروبية"، كما قال أرنال لـ DW، لتؤيد بذلك موقف الاتحاد الأوروبي بأن لوائحه الرقمية يجب أن تكون "خارج نطاق أي مفاوضات تجارية تماما".
ردا على تهديد ترامب السابق بفرض رسوم جمركية أعد الاتحاد الأوروبي رسوما جمركية انتقامية بنسبة 25 في المائة على الصادرات الأمريكية بقيمة 93 مليار يورو. لكن بروكسل لم تنفذ الإجراءات المضادة وقررت انتظار نتائج المفاوضات. وقد تعرض هذا النهج لاحقا لانتقادات عديدة بسبب ضعفه المفترض، مما أدى إلى مطالبات من جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه "عدوان" ترامب الأخير.
إن اتخاذ موقف متريث "مقبول عندما تسود الثقة والقدرة على التنبؤ والاستقرار في العلاقات عبر الأطلسي. لكن هذا لم يعد هو الحال"، حسب رِم كورتيويغ، الذي يتساءل "هل أوروبا مستعدة الآن للدفاع عن نفسها ومواجهة القوة بالقوة؟"
حتى لو كان هذا هو الحال فإن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى ورقة رابحة مثل تلك التي تمتلكها الصين مع المعادن الأرضية النادرة. وتعتمد الولايات المتحدة على هذه المعادن الهامة التي تستخدمها بكين كوسيلة ضغط استراتيجية في المفاوضات مع إدارة ترامب.
على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي لا يزال أحد أكبر الكتل الاقتصادية في العالم، إلا أنه لا يزال يعتمد بشكل كبير على عمالقة التكنولوجيا الأمريكية من الخدمات السحابية إلى منصات التواصل الاجتماعي وصولا إلى تطوير الذكاء الاصطناعي. وتذكرنا الحرب في أوكرانيا باستمرار بمدى اعتماد الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة في مسائل الأمن.
وردا على ذلك قد تستخدم بروكسل أداة مكافحة الإكراه، وهي لائحة جديدة تهدف إلى مكافحة الترهيب الاقتصادي من قبل دول ثالثة. وقد تم تصميم أداة مكافحة الإكراه في الأصل بعد النزاع التجاري بين الصين وليتوانيا وهي تمنح المفوضية الأوروبية صلاحية الرد بسلسلة من الإجراءات المضادة.
على الرغم من أن بروكسل لا تملك سوى خيارات محدودة للرد على مطالب ترامب الأخيرة، إلا أن المحللين يقولون إنها لا تستطيع التراجع كما فعلت كندا التي ألغت مؤخرا "ضريبة الرقمية" قبل ساعات قليلة من دخولها حيز التنفيذ من أجل استئناف المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة.
"من المهم ألا يتنازل الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتنظيم قطاع التكنولوجيا، لأن هذا الموضوع مرتبط بشكل أساسي بجميع جوانب السيادة ومن شأنه أن يشكل سابقة خطيرة"، كما يؤكد الخبير في الشؤون المالية والضرائب، رويل دوم في حديثه مع DW.
أعده للعربية: م.أ.م
تحرير: عارف جابو