إسرائيل لا تزال، وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، كياناً قائماً على الاحتلال وفرض الأمر الواقع بالقوة، وترفض منذ عقود تنفيذ قرارات دولية ملزمة تتعلق بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وفي مُقَدَّمِها حق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة. هذا الرفض الممنهج للشرعية الدولية، إلى جانب السياسات التي تمارسها بحق الفلسطينيين والتي بلغت حد ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، يجعل من إسرائيل كياناً يفتقر إلى الشرعية الأخلاقية والقانونية، وبالتالي يعد غير مؤهل أصلاً لأن يكون مانحاً للاعتراف أو السيادة.
من هذا المنطلق، فإن اعتراف إسرائيل بما يسمى "جمهورية أرض الصومال" لا يحمل أي قيمة قانونية حقيقية، بل يندرج في إطار العبث السياسي. فإسرائيل كانت قد أعلنت هذا الاعتراف منذ عام 2020 في سياق سعيها إلى توسيع دائرة نفوذها الإقليمي في القرن الإفريقي، بدعم مباشر وغير مباشر من قوى إقليمية معروفة. وعليه، فإن إعادة طرح الملف اليوم لا يعكس تطوراً جديداً بقدر ما يعكس إعادة توظيف سياسي لقضية انفصالية قديمة في لحظة إقليمية شديدة الاضطراب، بما يخدم أجندات تتجاوز حدود الصومال نفسه.
المفارقة الصارخة في هذا السياق أن إسرائيل تمنح اعترافها لكيان انفصالي غير معترف به دولياً، بينما ترفض في الوقت نفسه الاعتراف بدولة فلسطين، وهي دولة تحظى باعتراف دولي واسع ومكانة قانونية واضحة في الأمم المتحدة. هذا التناقض الفج يكشف الطابع الانتقائي والسياسي البحت للاعتراف الإسرائيلي، الذي لا يستند إلى مبادئ السيادة أو القانون الدولي، بل إلى منطق القوة والمصلحة.
ولا يمكن فهم هذا السلوك الإسرائيلي بمعزل عن المشروع الاستراتيجي الأوسع الذي تتحرك ضمنه، والمتمثل في رؤيتيّ: "إسرائيل الكبرى" و"الشرق الأوسط الجديد". هذان المشروعان يقومان في جوهرهما على إعادة تشكيل المنطقة عبر إضعاف الدول العربية والإسلامية من الداخل، وتشجيع النزعات الانفصالية، ودعم الفاعلين من غير الدول، بما يؤدي إلى تفكيك الكيانات الوطنية وتحويلها إلى وحدات هشة متناحرة، تضمن لإسرائيل التفوق والهيمنة على المدى الطويل.
في هذا الإطار، لا يقتصر الدور الإسرائيلي على القرن الإفريقي، بل يمتد إلى ساحات أخرى، من بينها اليمن، حيث تشير معطيات سياسية وإعلامية متداولة إلى وجود تقاطع مصالح بين إسرائيل وبعض القوى الانفصالية في جنوب اليمن. ويبرز هنا المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن استعداده للتطبيع مع إسرائيل مقابل الحصول على دعم سياسي لمشروع فصل جنوب اليمن عن شماله. هذا النوع من العلاقات لا يمكن قراءته إلا بوصفه جزءاً من سياسة إسرائيلية أوسع تستثمر في تفكيك الدول المركزية تحت عناوين براقة مثل "حق تقرير المصير"، بينما الهدف الحقيقي هو تفتيت المنطقة وإضعافها.
في المحصلة، فإن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال أو بغيرها من الكيانات الانفصالية ليس حدثاً دبلوماسياً معزولاً، بل حلقة في مشروع متكامل يستهدف إعادة رسم خرائط المنطقة على أسس التفتيت والهيمنة. والتعامل مع هذا المشروع لا يكون بالصمت أو الانتظار، بل بتفكيك خطابه وكشف تناقضاته، والتأكيد على حقيقة أساسية مفادها أن الشرعية لا يمنحها الاحتلال، ولا تصدر عن كيان يرفض الاعتراف بحقوق الشعوب الأخرى.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية