لتصحو الرياض على انقلاب عسكري جديد نفّذه الشريك الأول والأساس في تحالفها العدواني على اليمن، وهو ما فتح باب التساؤلات حول خفايا الصراع القائم بين قطبي هذا التحالف، والممتد من رمال الخليج إلى صحراء اليمن. الأمر الذي يدفعنا في هذا التقرير إلى تسليط الضوء على ماهية هذا الصراع والبحث عن جذوره، استناداً إلى الوقائع والشواهد التاريخية الواضحة للعيان، وما يدور خلف الكواليس والأبواب المغلقة، والكشف عن أسباب ودوافع هذا الصراع الذي بات عنواناً للعلاقات المتوترة بين أبو ظبي والرياض خلال العقد الأخير، مع التركيز على تداعياته المباشرة على مستقبل التحالف في اليمن، والأوضاع الداخلية للبلدين، وحضورهما على الساحة الإقليمية والدولية.
الجذور التاريخية للصراع
قبيل استعراض تفاصيل الصراع بين السعودية والإمارات على أرض اليمن، لا بد من العودة إلى جذور هذا الصراع بين الدولتين، والذي بدأت تتشكل ملامحه مطلع أربعينيات القرن الماضي، حين حاول مؤسس الدولة السعودية الحديثة وملكها الأول، عبد العزيز آل سعود، فرض السيطرة على مناطق حدودية مع الإمارات، وهي مناطق غنية بالنفط، مثل واحة البريمي، وحقل الشيبة، وخور العديد.
وقد ظلت السعودية تطالب بفرض سيادتها على هذه المناطق إلى أن نجحت في ضم أجزاء واسعة منها بموجب اتفاقية جدة عام 1974، مقابل اعتراف سعودي بدولة الإمارات، التي اعتقدت لاحقاً أنها تعرضت لخداع وسطو على أهم مناطقها النفطية. وبقي هذا الملف الشائك بمثابة شرارة مستدامة، يُعاد إشعالها كلما احتدمت التوترات بين الطرفين، وكان من أشهر تجلياتها قيام السلطات السعودية مطلع العام 2009، بإصدار قرار يمنع الإماراتيين من دخول أراضيها، على خلفية احتواء بطاقات الهوية الإماراتية على خريطة تُظهر أراضي سعودية على أنها جزء من دولة الإمارات.
انعكاسات الصراع على المشهد الإقليمي
ومن صراع الحدود إلى صراع النفوذ، يتجلى التنافس بين السعودية والإمارات في الساحة الإقليمية، أولاً ضمن إطار سياسي، من خلال التورط في الشؤون الداخلية لعدد من الدول، مثل مصر وليبيا والسودان وسوريا واليمن. إذ تتنافس الدولتان منذ عقود على لعب دور «الذراع الأمريكية الطولى» في المنطقة، حيث تقدم كل منهما نفسها كوصيّ مباشر على تنفيذ سياسات وأجندات الولايات المتحدة الأمريكية. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في انخراط الطرفين، بطرق وأشكال مختلفة ومتباينة، في عدد من الملفات الساخنة إقليمياً، وإن كانت جميعها تصب في نهاية المطاف في خدمة المشاريع الأمريكية.
ويرتبط صراع النفوذ بين السعودية والإمارات كذلك بمصالح اقتصادية، في مقدمتها التنافس على زعامة «منظمة أوبك»، ولا سيما ما يتعلق بالقرارات السعودية داخل المنظمة، خصوصاً تلك المرتبطة بخفض إنتاج النفط. وكان أبرز تجليات هذا الخلاف الرفض الإماراتي العلني لقرار سعودي بخفض الإنتاج خلال اجتماع المنظمة في 5 يوليو 2021، وهو ما فجّر لاحقاً أزمة ومشادات إعلامية بين مسؤولي الطرفين، إذ اعتبرت أبو ظبي القرار تعسفياً ومضراً بأحد أهم مصادر أمنها القومي.
ومن الجوانب الاقتصادية البارزة التي طالما أسهمت في إشعال جذوة التوتر بين البلدين، الصراع على استقطاب واحتضان الشركات العالمية. وقد تناولت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية هذا الملف في تقرير نشرته مطلع فبراير 2021، أشارت فيه إلى أنه «في الإمارات، يُنظر إلى تهديد السعودية بمنع الشركات متعددة الجنسيات من الحصول على العقود الحكومية المربحة، ما لم تنقل مقراتها الرئيسية إلى الرياض، بوصفه هجوماً ضمنياً على دبي، المركز التجاري للإمارات، حيث تتمركز غالبية هذه الشركات».
خلافات مبكرة في اليمن
عشية العدوان على اليمن في 26 مارس 2015، لم تكن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على «قلب تحالف واحد»، بقدر ما جمعتهما المصالح وفرقتهما الأطماع في ثروات ومقدرات اليمن. وقد تكشفت بوادر الصراع بين الدولتين منذ الأسابيع والأشهر الأولى للحرب، حين اتجهت الإمارات إلى نشر قواتها في مناطق استراتيجية بعيدة عن المواجهة المباشرة مع القوات المسلحة اليمنية التابعة لحكومة صنعاء، وفي مقدمتها السواحل والجزر الجنوبية والغربية للبلاد.
وفي هذا السياق، قامت أبو ظبي بتمويل ورعاية تشكيل ما يُعرف بـ«المجلس الانتقالي الجنوبي»، الذي أُعلن عنه رسمياً في 11 مايو 2017، وأسندت إليه مهمة التوغل والسيطرة على الأرض في المحافظات الجنوبية تحت لافتة «انفصال الجنوب» والسعي لتحقيقه بالقوة العسكرية. وفي المقابل، أوكلت مهمة السيطرة على الساحل الغربي للبلاد ومضيق باب المندب إلى طارق صالح، عقب فراره من صنعاء بعد مقتل عمه الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، الذي تزعم محاولة انقلاب على أنصار الله في 2 ديسمبر 2017 بدعم وإيعاز إماراتي.
وبعد فشل الانقلاب ومقتل العم وهروب ابن شقيقه، حاولت الإمارات استغلال الظرف لتنفيذ أطماعها في الساحل الغربي المطل على أحد أهم الممرات المائية الحيوية في العالم. فدعمت تشكيل وحدات عسكرية موالية لها تحت قيادة طارق صالح، عُرفت لاحقاً بـ«القوات المشتركة»، وجعلت من مدينة المخا الساحلية، غرب محافظة تعز، مقراً رئيسياً لها.
السعودية وحيدة في مواجهة تكاليف الحرب
ويجدر التنويه إلى أن التشكيلات السياسية والعسكرية التي أنشأتها الإمارات، سواء في الجنوب أو في الشمال، لم تخض مواجهات أو معارك حقيقية مع القوات المسلحة اليمنية التابعة لحكومة صنعاء، على الرغم من تموضعها في عدة نقاط تماس، باستثناء اشتباكات محدودة كانت صنعاء تبادر إليها في سياق ردع العدوان وتنفيذ استراتيجيتها الرامية إلى تحرير كامل التراب الوطني المحتل. وقد تجلى ذلك بوضوح في محافظة الحديدة الساحلية، غرب البلاد، حين أُجبرت «القوات المشتركة» على الانسحاب من مواقعها بعد أول مواجهة فعلية، وذلك في 13 نوفمبر 2021.
ويكشف هذا الواقع الغاية الحقيقية للإمارات من إنشاء تلك التشكيلات من المرتزقة، والتي بات واضحاً أنها تؤدي دوراً وظيفياً يخدم المصالح الخاصة بأبو ظبي، بعيداً عن العناوين الكبرى التي ترفعها السعودية بصفتها قائدة لتحالف العدوان.
وبعبارة أوضح، فإن مجمل التحركات الإماراتية والانتشار العسكري للفصائل الموالية لها صبّ في اتجاه واحد، هو تحقيق المصالح الإماراتية حصراً. وهو ما استشعرته قيادة التحالف، التي تُركت هي والفصائل الموالية لها في مواجهة مباشرة ومعركة استنزاف طويلة ومكلفة مع القوات المسلحة اليمنية التابعة لحكومة صنعاء، سواء داخل الأراضي اليمنية أو على الحدود وعمق الجنوب السعودي. وقد تحمّلت الرياض العبء الأكبر من هذه الكلفة البشرية والمادية، وتضاعفت الأعباء بعد إعلان الإمارات «انسحابها العسكري» مطلع يوليو 2019، وهو انسحاب وُصف بأنه شكلي، لكنه عكس في جوهره محاولة إماراتية للتنصل من تحمّل تكاليف وتداعيات الحرب، في وقت كانت صنعاء تحصد نتائج هذا الاستنزاف على المستويين العسكري والسياسي.
محاولات الصدام العسكري
في مواجهة الصفعات المتتالية التي تلقتها الرياض من شريكها في أبو ظبي، اتجهت قائدة التحالف إلى تشكيل وحدات عسكرية موالية لها لمواجهة التمدد الإماراتي في مناطق النفط والغاز والجزر اليمنية الاستراتيجية. وفي هذا السياق، أعلنت السعودية في يناير 2023 إنشاء قوات «درع الوطن» تحت غطاء المجلس الرئاسي، بقيادة رشاد العليمي، وهو المجلس الذي كانت قد شكلته برعاية مباشرة منها في 7 أبريل 2022، أي بعد خمسة أيام فقط من إعلان الهدنة بين صنعاء والرياض.
وخلال العامين الماضيين، سعت السعودية إلى تجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين تحت لواء «درع الوطن»، بهدف إحلال هذه القوات بديلاً عن الفصائل الموالية للإمارات. ولهذا الغرض، دفعت بتشكيلات كبيرة من هذه القوات إلى جوار الفصائل الموالية لأبو ظبي في عدد من المواقع الحيوية التي تسيطر عليها الأخيرة، من بينها سواحل محافظات حضرموت والمهرة وشبوة، إضافة إلى مثلث السيطرة الاستراتيجي في محور طور الباحة بمحافظة لحج، الذي يشرف على مواقع بالغة الأهمية تمتد من أقصى السواحل الجنوبية في مدينة عدن مروراً بمحافظة لحج، وصولاً إلى مضيق باب المندب وسواحل المخا في محافظة تعز.
كما شملت هذه التحركات جزيرة سقطرى الاستراتيجية، حيث حاولت السعودية فتح باب التجنيد في الجزيرة منتصف عام 2023 تحت لواء قوات «درع الوطن». غير أن هذه المحاولات باءت بالفشل عقب إعادة انتشار إماراتي واسع لفصائلها في الآرخبيل، وإرسال تعزيزات عسكرية كبيرة لقوات المجلس الانتقالي لتثبيت سيطرتها على الجزيرة. وكادت هذه التطورات أن تفضي إلى صدام عسكري مباشر، على غرار المواجهات التي اندلعت بين فصائل المجلس الانتقالي وقوات «درع الوطن» في محور طور الباحة بمحافظة لحج، على فترات متقطعة خلال العامين الماضيين، إلا أنها لم تسفر عن أي سيطرة فعلية للقوات الموالية للسعودية على تلك المناطق الحيوية، في حين احتفظت الفصائل الموالية للإمارات بمواقعها حتى اليوم.
انتكاسة سعودية أم تراخٍ مقصود؟
في خضم التطورات الأخيرة، بدت الإجراءات السعودية محدودة ودون مستوى خطورة اللحظة المفصلية التي تهدد أطماعها المباشرة في جنوب وشرق اليمن. فبعد سقوط محافظتي حضرموت والمهرة بيد الفصائل الموالية للإمارات، لم تبادر قائدة التحالف إلى ممارسة أي ضغوط حقيقية. واكتفت بمواجهة التوغل العسكري الإماراتي بإرسال وفد سياسي متواضع المستوى لإجراء مشاورات مع قيادة الفصائل الموالية لأبو ظبي في محافظة حضرموت، وهو وفد تعرض لإهانات بالغة، أبرزها احتجازه في نقطة أمنية تابعة للمجلس الانتقالي خارج مدينة المكلا، المركز الإداري للمحافظة.
ويبدو أن هذا الموقف السعودي الضعيف فتح شهية الإمارات، التي سارعت إلى الدفع بقوات المجلس الانتقالي لبدء عملية عسكرية واسعة في محافظة أبين، البوابة الشرقية لمدينة عدن، معقل المجلس الموالي لها. وجاء ذلك بهدف طرد ما تبقى من التشكيلات العسكرية الموالية للسعودية، تحت ذريعة محاربة «تنظيم القاعدة»، في مسعى لاستكمال فرض السيطرة النارية على الجنوب اليمني، وذلك بعد أقل من أسبوعين على الإطاحة بالقوات الموالية للرياض في محافظتي حضرموت والمهرة، وتقليص النفوذ السعودي في الهضبة النفطية.
ويجعل هذا المشهد الموقف السعودي محل جدل واسع، ويفتح باب التساؤلات حول مدى جدية قائدة التحالف في التعامل مع ما يُوصف بالانقلاب الإماراتي. إذ يرى بعض المراقبين أن هذا الأداء يعكس انتكاسة سعودية واضحة، وعجزاً عن مواكبة المتغيرات المتسارعة، في ظل افتقارها إلى أدوات فاعلة على الأرض، بعد أن أخفقت هذه الأدوات إخفاقاً ذريعاً في تحقيق أي نصر عسكري يُذكر طوال أكثر من سبع سنوات من المواجهة المباشرة مع القوات المسلحة اليمنية التابعة لحكومة صنعاء.
إعادة تدوير الأدوات والوكلاء
في المقابل، يرى فريق آخر أن ما يجري يأتي في إطار ترتيبات أمريكية ـ إسرائيلية مرتبطة بمواجهة التطورات الإقليمية التي أعقبت المشاركة اليمنية الفاعلة في معركة «طوفان الأقصى». ووفق هذا الطرح، تسعى الولايات المتحدة و«إسرائيل» إلى إعادة الدفع بالتحالف السعودي ـ الإماراتي نحو عدوان جديد على اليمن، لكن تحت عناوين ومسوغات مختلفة هذه المرة، تبدأ بإعادة تدوير الأدوات والوكلاء المحليين، والتخلص من بعض الأوراق المحترقة، ضمن صفقة سعودية ـ إماراتية يتم بموجبها تصدير فصائل أبو ظبي إلى الواجهة.
ويُنظر إلى هذه الترتيبات باعتبارها تمهيداً لإعلان كيان انفصالي يشكل غطاءً سياسياً واسعاً لهذا العدوان المحتمل، ويوفر منصة عسكرية واقتصادية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بهدف تكثيف الضغط والحصار على صنعاء من جهة، ومنح الرياض فرصة لمواصلة التنصل من استحقاقات السلام، والخروج التدريجي من مستنقع الحرب في اليمن، مع إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية، من جهة أخرى، قبيل أي مواجهة كبرى محتملة مع صنعاء.
ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال إقدام المجلس الانتقالي على إرسال وفد إلى «إسرائيل» عقب سيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة. فقد كشفت صحيفة «ذا تايمز» البريطانية، في تقرير نشرته بتاريخ 11 ديسمبر 2025، أن «المجلس الانتقالي أرسل مندوبين للقاء مسؤولين إسرائيليين»، مشيرة إلى أن المجلس المدعوم إماراتياً «يأمل في كسب رضا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى إلى تمديد اتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل والدول العربية، من خلال الوعد بالاعتراف بإسرائيل فور استقلال جنوب اليمن»، بذريعة وجود «قضية مشتركة ضد الحوثيين الذين هاجموا إسرائيل مراراً خلال العامين الماضيين».
وسبق أن أكد رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، هذا التوجه خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة «RT» بتاريخ 2 فبراير 2021، حين أشار إلى أن «إقامة دولة جنوبية ستُمكّن من بناء علاقات رسمية مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقيات أبراهام».
من جهته، نشر معهد «أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي تقريراً بتاريخ 14 ديسمبر 2025، أفاد بأن سيطرة المجلس الانتقالي «تفتح نافذة استراتيجية تتمثل في كيان جنوبي مستقر يعتمد على الإمارات، يسيطر على ميناء عدن الحيوي، ويقع بالقرب من باب المندب، ويحدّ من النفوذ المعادي في المجال البحري ذي الأهمية الحيوية لإسرائيل».
وتتعزز هذه الاستنتاجات بالاتهامات العلنية التي وجهها قياديون ومسؤولون في حزب الإصلاح إلى السعودية، متهمين إياها بالتخلي عن الحزب لصالح الفصائل الموالية للإمارات. ومن أبرز هذه المواقف تصريحات الناشطة البارزة في حزب الإصلاح، توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2011، التي قالت في منشور على صفحتها في منصة «فيسبوك» عقب استكمال قوات المجلس الانتقالي سيطرتها على محافظة حضرموت في 4 ديسمبر 2025: «بعد جهود مضنية، أخيراً أفلحت الشقيقة الكبرى في تفتيت البلاد وتقويض الوحدة اليمنية، ولم تكن الإمارات في اليمن سوى الأداة القذرة للسعودية».
كما أكد الصحفي سيف الحاضري، المستشار الإعلامي للجنرال علي محسن، قائد الجناح العسكري للإصلاح ونائب الرئيس الأسبق عبد ربه منصور هادي، في تدوينة على حسابه في منصة «إكس»، أن «ما حدث في حضرموت كان بضوء أخضر أمريكي».
وتتقاطع هذه الاتهامات مع التوجه الأمريكي ـ الغربي لإقصاء جماعة «الإخوان المسلمين» من المشهد الإقليمي، خاصة بعد قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصنيف الجماعة منظمة إرهابية أجنبية، وما ترتب على ذلك من تداعيات على وضع حزب الإصلاح، باعتباره فرع الجماعة في اليمن، والقوات المنخرطة تحت جناحه والموالية للسعودية. وهو ما يجعل الحديث عن صفقة سعودية ـ إماراتية لإقصاء القوات الموالية للرياض وتسليم الجنوب اليمني للفصائل المدعومة إماراتياً، سيناريو مرجحاً إلى حد كبير.
صراع داخل نطاق الأجندات الأمريكية
استناداً إلى ما سبق، يمكن تأكيد حقيقتين أساسيتين لطبيعة الصراع السعودي ـ الإماراتي في اليمن. تتمثل الحقيقة الأولى في وجود هذا الصراع فعلياً، وتصاعده في مراحل مختلفة خلال العدوان على اليمن، نتيجة تصادم المصالح في إطار تقاسم النفوذ والسيطرة على مقدرات البلاد وثرواتها.
فعلى سبيل المثال، ترفض السعودية الوجود الإماراتي في محافظة حضرموت، إذ تنظر إليها باعتبارها منفذاً استراتيجياً مهماً على بحر العرب، في حين ترى الإمارات أن الحضور السعودي في مضيق باب المندب والجزر اليمنية الاستراتيجية يشكل تهديداً مباشراً لنفوذها وتطلعاتها الإقليمية، ولا سيما فيما يتعلق بالتحكم في الممرات البحرية الدولية، والتمدد في محيط مناطق المعادن والثروات الطبيعية في القارة الإفريقية.
ويعني ذلك أن هذا الصراع ليس طارئاً، بل هو امتداد لصراع إقليمي تاريخي بين الطرفين، تتداخل فيه أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية متعددة، ومن المؤكد أنه سيترك تداعيات عميقة على مستقبل الأوضاع الداخلية في كلا البلدين، وعلى مكانتهما في الساحة الإقليمية، وهي مكانة بدأت تتآكل تدريجياً بفعل هذه التداعيات، لصالح قوى إقليمية جديدة آخذة في الصعود.
أما الحقيقة الأخرى، فتتمثل في أن تفاصيل الصراع القائم بين السعودية والإمارات تجري، بشكل أو بآخر، ضمن إطار تنفيذ الأجندات الأمريكية ـ الصهيونية في اليمن. ويعكس ذلك دور الولايات المتحدة في إعادة ضبط إيقاع هذا الصراع بين حين وآخر، بما يخدم خلق صراعات داخلية وأوضاع مضطربة ومزمنة في اليمن، بهدف إضعافه وتحجيم دوره الإقليمي، ولا سيما بعد المكانة المتقدمة التي حظي بها عقب فرضه معادلات ردع نوعية على المستوى الإقليمي، في سياق دعمه الفاعل للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
ويمكن فهم هذا التوجه من خلال الانخراط السعودي المفاجئ في الحملة الأمريكية ـ الصهيونية ضد السيطرة الوطنية اليمنية على البحر الأحمر، ومحاولات شيطنتها وتقويضها. ويتجلى ذلك في استضافة العاصمة السعودية الرياض، منتصف سبتمبر 2025، مؤتمراً دولياً تحت عنوان «شراكة الأمن البحري»، أعلنت خلاله عدة دول، في مقدمتها السعودية وبريطانيا، عن حزمة واسعة من التعهدات المالية لدعم ما يُسمّى «خفر السواحل اليمنية» الموالية للتحالف السعودي ـ الإماراتي، وتعزيز قدراتها العملياتية، تمهيداً للدفع بها في مواجهة محتملة مع صنعاء.
صنعاء تترقب وجاهزة للتعامل مع كل السيناريوهات
ولعل حقيقة أن الصراع القائم بين قطبي التحالف السعودي ـ الإماراتي يجري أساساً تحت مظلة أمريكية ـ إسرائيلية، هي ما أشار إليه عضو المجلس السياسي الأعلى في اليمن، الدكتور عبد العزيز بن حبتور، الذي أكد في تصريحات نشرتها وكالة «يونيوز» بتاريخ 14 ديسمبر 2025، أن «الأحداث في المحافظات الجنوبية والشرقية تأتي في إطار مخطط قديم ـ جديد رسمته دول العدوان، السعودية والإمارات»، مشيراً إلى أن «هناك معلومات تؤكد وجود تنسيق مباشر بين المجلس الانتقالي، المدعوم إماراتياً، وكيان العدو الإسرائيلي».
ويتقاطع هذا الموقف مع تصريحات عدد من المسؤولين في دول إقليمية، من أبرزهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، الذي صرّح في 13 ديسمبر 2025 بأن «التطورات الجارية في اليمن تثير قلق العديد من دول المنطقة، إذ تأتي هذه التحولات في إطار السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تفكيك وتقسيم دول المنطقة».
وبين هذا وذاك، تتابع صنعاء تطورات المشهد في الجنوب والشرق، داخلياً وخارجياً، وهي على درجة عالية من الوعي والإدراك بمخططات التحالف السعودي ـ الإماراتي وأدواته، ومن خلفهما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. ويظهر ذلك بوضوح في الخطاب الرسمي لصنعاء، وفي تكثيفها للتحشيدات والاستعدادات العسكرية، المدعومة بتفاعل شعبي واسع واستنفار قبلي متصاعد، يعكس جاهزية كاملة على مختلف المستويات للتعامل مع جميع السيناريوهات المحتملة.
وهي جاهزية لا تقتصر على ردع التهديدات والتحديات الراهنة، بل تمتد إلى خوض أي معركة قد تفرضها الظروف، أو تتيحها الفرص المؤاتية لتحرير كامل التراب الوطني المحتل وتحقيق الاستقلال الكامل، وهي معركة لا تزال الأطراف الخارجية المعتدية تتجنب تفجيرها حتى اليوم، خشية نتائج تبدو، في ضوء التجارب السابقة وموازين القوة الحالية، محسومة لمصلحة صنعاء.
المصدر : مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية