آخر الأخبار

عامر باحاج.. ضحية قبيلة بلا قيم أم دولة بلا قانون؟ سؤال الدم في شبوة

شارك

ما جرى للشاب عامر باحاج ليس حادثة قتل عابرة، بل إعدام ميداني مكتمل الأركان، ارتُكب أمام سمع وبصر الجميع، وباسم العُرف، وفي غيابٍ تام للدولة والقضاء، وبلا أي اعتبار لجوهر الدين أو لقيم القبيلة اليمنية التي طالما قامت على التحكيم، والعفو، وحقن الدماء لا سفكها. الأخطر في المشهد ليس فقط إطلاق الرصاص، بل تلك اللحظة التي سُحقت فيها كل المعاني: شابٌ مقيّد، أبٌ مكسور، وساطةٌ تحوّلت إلى فخ، وسلاحٌ حلّ محل العقل والعدل.

هذه الجريمة كشفت، بوضوحٍ صادم، أن منظومة القيم لم تتآكل وحدها، بل يجري تفريغها منهجياً. فالمجتمعات التي تقع تحت سيطرة الحكومة الموالية للتحالف لا تُترك فقط بلا أمن أو خدمات، بل تُدفع تدريجياً إلى التخلي عن ركائزها الأخلاقية والإنسانية، ليصبح العنف سلوكاً اعتيادياً، والثأر بديلاً عن القانون، والقوة المجردة معياراً بديلاً عن الحق.

في اليمن، لم تكن القبيلة يوماً نقيضاً للدولة كما يُروّج، بل كانت في كثير من المراحل حارساً اجتماعياً يضبط النزاعات ويمنع الانفجار. أما اليوم، فنحن أمام تشويه متعمّد لمفهوم القبيلة، وتحويلها إلى أداة قتل وترويع، عبر تسليح غير منضبط، وتمويل مشايخ ووجهاء على أساس الولاء لا الحكمة، وإذكاء الصراعات البينية بدل احتوائها. والنتيجة: نسيج اجتماعي يتمزق، ودماء تُراق، ومجتمع يُدجّن على قبول الظلم باعتباره أمراً واقعاً.

إن ما حدث في شبوة لا يمكن فصله عن سياق أوسع من تفكيك الإرادة الجمعية للمجتمع اليمني. فحين تُكسر القيم، وتُهان العدالة، ويُدفع بالناس إلى اليأس والخوف، يصبح المجتمع أكثر قابلية للاختراق الخارجي، وأقل قدرة على الدفاع عن أرضه وثرواته وقراره الوطني. إنها معادلة خطيرة: كلما زاد الانفلات، تراجعت المناعة، وتقدمت المشاريع الأجنبية بثوب "الحماية" أو "الاستقرار".

الغضب الشعبي الذي عمّ اليمن بعد الجريمة ليس فقط تعاطفاً مع ضحية، بل صرخة وعي في وجه مسار يُراد له أن يصبح طبيعياً. صرخة تقول إن اليمني، مهما اشتدت عليه المحن، لا يزال يميّز بين العُرف والجريمة، بين التحكيم والإعدام، وبين القبيلة كقيمة إنسانية والقبيلة كميليشيا.

ستبقى جريمة شبوة وصمة عار في جبين كل من برّرها أو صمت عنها. لكنها، في المقابل، قد تكون لحظة كاشفة، تدفع باليمنيين إلى التمسك بما تبقى من قيمهم الأصيلة، ورفض تحويلهم إلى مجتمع منزوع الإرادة، قابل للتطويع، ومهيأ للهيمنة. فالأمم لا تُهزم فقط حين تُقهر عسكرياً، بل حين تُقتل أخلاقياً.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا