وعلى مدى ثلاثة عقود، عمد الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح وحزبه إلى رفع بشعار "الوحدة أو الموت"، معتبرين إياها الإرث الشخصي الذي لا يقبل القسمة، لكن اليوم، يبدو أن الورثة السياسيين والعسكريين لصالح في أبوظبي والساحل الغربي قد استبدلوا هذا الإرث باستراتيجية "إعادة ترتيب مسرح العمليات"، كما وصفها طارق صالح الموالي والممول من الإمارات كأداة نفوذ محلية في جنوب الساحل الغربي لليمن، وكحارس لمصالح أبو ظبي المرتبطة أصلا بمصالح كل من واشنطن وتل أبيب في منطقة جنوب البحر الأحمر وباب المندب.
ويرى مراقبون أن هذا الوصف "إعادة ترتيب مسرح العمليات" على تحركات الانتقالي للسيطرة على المحافظات الشرقية لليمن، ليس مجرد مصطلح عسكري، بل هو "ضوء أخضر" سياسي لمباركة سيطرة المجلس الانتقالي على المحافظات الشرقية (حضرموت والمهرة)، وهي المناطق التي طالما اعتبرها المؤتمر الشعبي العام "عموداً فقرياً" للدولة الموحدة.
ويؤكد محللون سياسيون أن جناح المؤتمر في الإمارات انتقل من مربع "الشريك" في الوحدة إلى مربع "الأداة التنفيذية" ضمن المخطط الذي تقوده أبوظبي منذ سنوات، بهدف تفتيت الكتلة الوطنية، وتحويل اليمن إلى "كانتونات" متناحرة يسهل التحكم بها بعيداً عن سيادة الدولة المركزية، خدمة للأجندات الجيوسياسية الخارجية، أطماع السيطرة على الموانئ الاستراتيجية والممرات المائية (باب المندب، سقطرى، وميون) لتأمين مصالح دولية تشمل الولايات المتحدة وإسرائيل، ضمن رؤية "الأمن البحري" الجديدة في المنطقة.
ويضيف المحللون أن ورثة صالح وجناح الإمارات في حزب المؤتمر، وبدافع الرغبة في تصفية الخصوم، ذهبوا إلى التضحية بالوحدة الوطنية مقابل إزاحة قوى الشرعية التقليدية وحزب الإصلاح، والحلول محلها، وهو ما يمثل هدفا مشتركا بينهم وبين الإمارات، حيث يحقق لهم مصالحهم، ويضمن في المقابل بقاء النفوذ الإماراتي عبر أذرع محلية مطيعة.
ولا يمكن فصل تحركات "مؤتمر الإمارات" عن السياق الإقليمي الأوسع؛ فالتماهي المطلق مع توجهات أبوظبي يضع هذا الجناح في دائرة الاتهام بالانخراط في مشاريع تخدم "الاتفاقيات الإبراهيمية"، كما أن السيطرة على شرق اليمن وتأمين السواحل لا يُنظر إليه دولياً كفعل "تحرير"، بل كعملية "تأمين" لمسارات الملاحة التي تخدم الاستراتيجية الأمريكية-الإسرائيلية في مواجهة النفوذ القطب الآخر، ولو كان الثمن هو تمزيق الخارطة اليمنية.
وجاءت زيارة سلطان البركاني الأخيرة لعدن ولقاؤه بعيدروس الزبيدي لتضع النقاط على الحروف. البركاني، الذي يمثل "شرعية البرلمان" والمؤتمر، بدا وكأنه يمنح "صك الغفران" القانوني لتحركات الانتقالي المدعومة إماراتياً في المحافظات الشرقية، وهذا المشهد عكس بوضوح أن جناح المؤتمر في الخارج قد تخلى عن "وصية صالح" بالدفاع عن الجمهورية والوحدة، مقابل الحفاظ على مكانة سياسية هشة تحت المظلة الإماراتية.
وبالنظر إلى تداعيات هذا التوجه من قبل جناح الإمارات في المؤتمر الشعبي العام على الحزب بصورة عامة، فإن تحول أولاد صالح وقيادات المؤتمر في الإمارات إلى جسر تعبر من خلاله مشاريع التجزئة، يمثل السقوط الأخير لأسطورة "الحزب الوطني الجامع". فبينما كان صالح يفاخر بأنه "حقق الوحدة"، يبدو أن ورثته قد اختاروا أن يكونوا شهوداً- بل ومشاركين- في تشييع جنازتها، تلبيةً لرغبات الممول الخارجي وضماناً لمصالح ضيقة لا تتجاوز حدود قصورهم في أبوظبي وثكناتهم في الساحل، غافلين عن حقيقة أن تمزيق اليمن لن يمنحهم وطناً يحكمونه، بل سيجعل منهم مجرد حراس لمصالح أجنبية على أنقاض دولة كانوا هم يوماً حكامها؟
شل يا عمنا
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية