آخر الأخبار

تغطية إماراتية لتمدد إسرائيلي في الجنوب اليمني.. مشروع لا يشبه اليمن ولا أهله

شارك


من منظور استراتيجي، يبدو أن الإمارات تسعى إلى تثبيت واقع سياسي في الجنوب يُمكّنها من إدارة السواحل والموانئ والجزر الحيوية، بعيداً عن السلطة اليمنية. ومع الوقت، تحوّلت الفصائل الجنوبية المدعومة منها، وعلى رأسها مكوّنات المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى قوة أمر واقع، لها جهازها السياسي والعسكري وارتباطاتها الإقليمية الخاصة. وفي سياق هذا النفوذ المتصاعد، يبرز حديث بين الحين والآخر عن انفتاح بعض هذه الفصائل على فكرة التطبيع مع إسرائيل، ضمن مقاربة تُصوَّر بأنها جزء من إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة، وتموضع الجنوب ضمن محور جديد يمتد من أبوظبي إلى تل أبيب عبر البحر الأحمر.
ومثل هذا المسار قد يمنح إسرائيل مكسباً نوعياً. إذ أنها عبر شراكات كهذه– إن حصلت أو استمرت في التبلور– ستجد نفسها في موقع يسمح لها بمراقبة الممرّات البحرية الحساسة، ومتابعة النشاط العسكري في البحر الأحمر وخليج عدن، وتقليص هامش نفوذ خصومها الإقليميين. كما أن وجود قوة محلية جنوبية راغبة في التقارب مع إسرائيل يفتح أمام تل أبيب نافذة كانت مغلقة تاريخياً، ويمنحها موطئ قدم في بلد لطالما حال اضطرابُه الداخلي دون أي حضور خارجي مباشر.
غير أن هذا المسار، على الرغم من انسجامه مع مصالح القوى الخارجية، يصطدم بشعور عميق بالرفض داخل أوساط واسعة من اليمنيين. فالتقارب بين الفصائل الجنوبية المدعومة من الإمارات مع إسرائيل ينظر إليه اليمنيون على أنه اعتداء على ثوابتهم وقيمهم الدينية والأخلاقية والإنسانية.
تزداد حساسية هذا الملف بسبب ارتباطه العميق بالهوية اليمنية والعربية. فاليمن– بكل أطيافه– ظل لسنوات طويلة ولا يزال يعتبر القضية الفلسطينية جزءاً من اهتماماته وواجباته، بنصرتها والوقوف إلى جانب الفلسطينيين، وينظر إلى إسرائيل باعتبارها عدواً لا يمكن التعامل معه إلا بالقوة حتى يتم تحرير الأراضي العربية منه.
وفي قلب هذه المعادلة المعقّدة يقف المواطن اليمني كأكبر الخاسرين. فالمشاريع التي تُطرح باسم "مستقبل الجنوب" أو "تحريره" أو "تنميته" كثيراً ما تتحول في الواقع إلى ساحات مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية، وتنافس النفوذ البحري، وترتيب التحالفات الدولية الجديدة. وبذلك، تتحول الأرض اليمنية إلى مسرح تُحاك عليه خطط تتجاوز سيادة اليمنيين وهمومهم وثوابتهم.
وفي المحصلة، يظل الجنوب بين سيناريوهين: إمّا أن تنجح القوى الخارجية في تكريس واقع جديد يكون لإسرائيل فيه دور متزايد عبر بوابة الإمارات والفصائل المتحالفة معها، وإمّا أن تتصاعد مقاومة داخلية تجعل هذا المشروع غير قابل للاستمرار. لكنّ المؤكد، في كلتا الحالتين، أن اليمنيين أنفسهم– الذين يواجهون حرباً وانقساماً وانهياراً– هم آخر من تُستشار مصالحهم، وأول من يدفع ثمن التحولات الجارية فوق أرضهم. وهذا وحده كفيل بأن يجعل أي مشروع لا يستند إلى إرادة اليمنيين مصيره الاهتزاز، مهما بدا في الظاهر متماسكاً أو مدعوماً من الخارج.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا