لا يزال قطاع غزة يشهد تصعيداً مستمراً من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يصر على تكريس مفهوم "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهي المقولة العدوانية التي يترجمها الاحتلال بشكل يومي عبر عمليات التدمير والحصار والتضييق على الفلسطينيين. هذا الموقف يعكس غطرسة تاريخية لعدو يسعى إلى محو الهوية الفلسطينية وتغيير معالم المنطقة لصالح المشروع الإسرائيلي.
في ظل هذا الوضع، لا يمكن تجاهل تأثيرات ما يجري في الساحة الفلسطينية على مستوى المنطقة بأسرها. حيث يعبّر الاحتلال عن نواياه في استكمال مشاريعه العدوانية عبر تصعيد العمليات العسكرية وحصار غزة، وهو ما يتعارض مع أي جهود لتقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية وتعزيز مقاومتها.
ومع ذلك، في ظل محاولات الاحتلال ضرب المقاومة عبر العملاء والمتعاونين، كان لواقعة مصرع أحد أذرع الاحتلال في 4 ديسمبر انعكاساً دلالياً عميقاً، يشير إلى أن الاستراتيجية الإسرائيلية لم تعد ذات فعالية كاملة أمام صمود المقاومة وتماسكها. هذه الواقعة، التي قد تُعتبر نقطة فارقة، تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية تظل قادرة على إحداث تغييرات مؤثرة حتى في ظل أكبر الحروب والضغوط.
لا تقتصر خريطة المعركة على فلسطين فقط. إذ يمتد الصراع ليشمل لبنان والعراق، حيث يعكف العدو الإسرائيلي على استغلال التوترات الداخلية في البلدين لتقويض وحدتهما الوطنية واستنزاف قوتهما عبر أدوات متعددة. في لبنان، حيث تمثل المقاومة اللبنانية، ممثلة بحزب الله، إحدى الركائز الأساسية في مواجهة الاحتلال، تتحرك إسرائيل بخطى ثابتة لتحويل هذا البلد إلى ساحة مفتوحة للضغط والابتزاز العسكري والسياسي.
ورغم الضغوط العسكرية، يظل لبنان يشهد حالة من الاستقرار النسبي في إطار مقاومته، إذ أن هناك توترات مستمرة بين القوى السياسية المحلية، مع دخول الدبلوماسية الأمريكية إلى المعادلة في محاولة لرسم خرائط جديدة في المنطقة.
أما في العراق، فالوضع معقد أكثر. الوجود العسكري الأمريكي في العراق ما زال يثير ردود فعل متباينة، ويطرح تساؤلات حول مستقبل العراق في ظل محاولات الغرب للهيمنة على موارده الطبيعية وتوجيه سياساته. إذا كانت الولايات المتحدة قد افتتحت أكبر قنصلية لها في أربيل كمؤشر على تعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة، فإن ذلك يعكس استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تقويض أي توجه نحو الاستقلال الوطني أو التحرر من السيطرة الأجنبية.
المعادلة الأساسية في هذا الصراع هي أن المقاومة لم تعد تقتصر على ساحة واحدة، بل أصبحت حرباً متعددة الأبعاد. ساحة غزة تمثل المثل الأعلى لهذه المقاومة التي تقوم على التضحية والصمود في مواجهة أكبر آلة حرب في الشرق الأوسط. وفي لبنان والعراق، تحاول فصائل المقاومة إدامة حالة التوازن عبر تحشيد الجماهير الوطنية وخلق تحالفات استراتيجية مع دول وقوى أخرى.
لكن مع استمرار الضغوطات العسكرية والاقتصادية، يبقى السؤال حول كيفية تمكن هذه الشعوب من إحداث التغيير الحقيقي. هل سيظل المشروع المقاوم قادراً على مواجهة الهيمنة الغربية والإسرائيلية؟ وهل ستتمكن هذه الشعوب من كسر الحلقة المغلقة من التبعية والتدخل الأجنبي؟
تظهر الإجابة على هذه الأسئلة في أن هذه المعركة، رغم التحديات الكبيرة، تبقى متجددة ولها محطات فاصلة. ومع ذلك، يبقى الأمل في المقاومة الشعبية والعسكرية حافزاً للتمسك بمشروعات التحرر الوطني.
أما في اليمن، فتتخذ ساحة الصراع شكلاً مختلفاً لكنه شديد الارتباط بالتفاعلات الإقليمية. فالحرب المستمرة منذ سنوات خلقت بيئة معقدة يتداخل فيها المحلي بالإقليمي، حيث برزت القوى اليمنية بوصفها طرفاً فاعلاً في مشهد المقاومة ضد التدخلات الخارجية. ومع تصاعد التوتر في البحر الأحمر والممرات البحرية الاستراتيجية، أصبح اليمن جزءاً من المعادلة التي يحاول اللاعبون الإقليميون والدوليون إعادة صياغتها وفقاً لمصالحهم. وفي وقت يسعى اليمنيون إلى تثبيت معادلة الردع الإقليمي وإبراز قدرتهم على التأثير في مسار الأحداث، حيث تشير التطورات إلى أن اليمن بات رقماً صعباً في التحولات الجارية، بما يملك من موقع جيوسياسي حساس وقدرة على صياغة أدوار مؤثرة ضمن المعركة متعددة الساحات التي تعصف بالمنطقة.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية