النتيجة، كما تفيد المصادر، كانت تسليماً كاملاً للمنطقة العسكرية الأولى بدون مقاومة، في خطوة اعتبرها كثير من المراقبين انقلاباً على موازين القوة في وادي حضرموت، ونقطة تحوّل تمنح الرياض اليد العليا في قلب المحافظة، في مواجهة نفوذ أبوظبي وأذرعها المحلية.
هذه العملية المفاجِئة في توقيتها أعادت إلى الذاكرة مشاهد سابقة مثيرة للجدل، حين جرى قبل سنوات انسحاب غير مفهوم من مواقع المنطقة العسكرية الثانية، وهو ما فتح الطريق لتنظيم القاعدة للسيطرة عليها بقيادة خالد باطرفي. ورغم اختلاف الظروف والسياقات، فإن منتقدي ما يجري اليوم يشيرون إلى التشابه في النمط: انسحاب بلا قتال، وتسلّم طرف جديد لإدارة المواقع الحساسة، مع ما يرافق ذلك من أسئلة حول الدوافع والصفقات في الكواليس.
هذا التطور عزز مخاوف حلف قبائل حضرموت، الذي يرى أن دخول قوات من خارج المحافظة، سواء كانت درع الوطن أو قوات الانتقالي، يمثل تهديداً مباشراً لسيادة حضرموت وللمطلب الذي ظل يرفعه أبناء المحافظة منذ سنوات، وهو إدارة حضرموت بيد أبنائها وحماية ثرواتها من أي وصاية خارجية.
لكن ما يحدث على الأرض تشير إلى مسار معاكس تماماً؛ إذ باتت المحافظة أمام معادلة نفوذ سعودية – إماراتية تتوزع فيها أدوار القوى المحلية، بينما يتراجع تأثير المكونات الحضرمية لمصلحة قوات مدعومة من الخارج. ويخشى كثير من الفاعلين المحليين أن يؤدي هذا التحوّل إلى تفجير مواجهات، خصوصاً بعد توتر العلاقة بين الحلف وقيادات الانتقالي، وتحشيد الطرفين لقواتهما في الهضبة ووادي حضرموت.
تأتي هذه التحولات في وقت يتزامن مع تعطّل إنتاج النفط وتوقف محطات الكهرباء، ما فاقم الإحساس الشعبي بأن الصراع ليس أمنياً فقط، بل هو صراع على موارد حضرموت من قبل أطراف تتنافس على النفوذ، بينما يعاني المواطن تبعات الفوضى.
وبالنظر إلى حجم الثروة النفطية في المسيلة ووادي حضرموت، تبدو السيطرة على المنطقة العسكرية الأولى جزءاً من خطة أكبر لفرض ترتيبات أمنية تضمن التحكم بمسارات الإنتاج والتسويق، سواء لمصلحة السعودية أو الإمارات، عبر وكلاء محليين.
إن تسليم المنطقة العسكرية الأولى يشكل محطة مفصلية في إعادة تشكيل خريطة النفوذ في حضرموت، ويؤشر إلى انتقال المحافظة إلى مرحلة جديدة من الصراع تُحسم فيها المواقع العسكرية عبر تفاهمات إقليمية لا عبر معادلات داخلية.
ومع أن الخطاب الرسمي يقدّم هذه الخطوة بوصفها جزءاً من ضبط الأمن، إلا أن المخرجات على الأرض توحي بأن حضرموت- بثرواتها وجغرافيتها الحيوية- تدخل عملياً في دائرة تقاسم النفوذ بين الرياض وأبوظبي، بينما يصبح أبناء المحافظة أقل الأطراف قدرة على توجيه مسار الأحداث، وأكثرهم تحمّلاً لتبعاتها.
وبهذا، يبدو المشهد مفتوحاً على احتمالات تصعيد جديدة، وقد تكون أيام حضرموت المقبلة أكثر حساسية من أي وقت مضى.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية