آخر الأخبار

صنعاء تعيد رسم خارطة الصراع : "المقاومة الوطنية الجنوبية".. تقويض لاستراتيجية السعودية والإمارات في الجنوب

شارك

هذا التطور لا يمثل مجرد تغيير في الاصطفافات، بل هو إشارة إلى إعادة تشكيل خريطة الصراع في الجنوب، واستغلال حالة الانقسام الداخلي لفتح جبهة مواجهة جديدة تضيف تعقيدا جديدا إلى الوضع المعقد أصلا في المحافظات الجنوبية، ناهيك عم ما ستمثله من قلق للتحالف السعودي الإماراتي، وتهديد حقيقي لتواجده العسكري في عدن وبقية المحافظات، ولا سيما في ظل تنامي السخط الشعبي على التحالف والحكومة الموالية له، جراء تردي الأوضاع المعيشية للسكان والتدهور الاقتصادي المتفاقم يوما بعد آخر.

والنظر إلى ظهور هذا التحالف الجديد في هذا التوقيت الحرج، الذي يمر فيه ملف السلام بـمرحلة جمود معقدة، فإنه ذلك لا يمكن اعتباره تحركا عاديا، ضمن استراتيجية الصراع القائمة في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، بل إن القراءة الأعمق لهذا التحرك، تشير إلى إمكانية أن يكون ضمن استراتيجية أوسع لحكومة صنعاء، التي لن تفرط في أي ورقة في معركتها ضد التحالف والأطراف المحلية الموالية له، ومن أهمها ورقة الجنوب، التي من شأنها أن تشكل ضغطا على الرياض وأبوظبي، لإظهار أن مناطق نفوذ التحالف ليست آمنة وأن غياب التسوية الشاملة يعني تصعيداً من داخل هذه المناطق التي يعتقد التحالف ووكلائه المحليين أنها في مأمن من أي تصعيد قادم.

وتأتي خطورة هذه الورقة من خلال التركيز على الانهيار الاقتصادي والتردي المستمر في الأوضاع المعيشية والخدمية وما أنتجته تلك الأوضاع من السخط الشعبي في المحافظات الجنوبية، وقد بدا ذلك واضحا خلال الفيديو الذي ظهر فيه أمجد خالد، حيث عمد إلى تسليط الضوء على الانهيار الخدمي والإداري في عدن، مشيراً إلى "العبث والانهيار والفوضى والفساد" الذي ساد منذ سيطرة القوات المدعومة إماراتياً في 2019، وهو خطاب يجد صدى واسعاً لدى السكان في المحافظات الجنوبية، مما يوفر غطاءً شعبياً لخطوته العسكرية والسياسية.

وفيما تعمد استراتيجية التحالف إلى تغذية مشاريع التفتيت في المحافظات الجنوبية وتصوير الصراع على أنه صراع محلي، أو حرب أهلية، فإن ظهور هذا التشكيل الذي يرفع شعار "مقاومة الاحتلال"، من شأنه أن ينسف تلك الاستراتيجية ويعيد توصيف الصراع، كمقاومة وطنية ضد "قوى الاحتلال الأجنبي"، خاصة وأن من يتولى قيادتها هو قائد جنوبي بارز (كان محسوباً على التحالف) وهو ما يمنح هذه السردية قوة أكبر ومصداقية محلية.

ولعل أهم ما جاء في تصريحات أمجد خالد هو الكشف عن آلية عمل الاتفاق، والتي تحول فصيله من مجرد تكتل معارض إلى قوة عسكرية ذات قدرة فعلية، حيث أكد أن "صنعاء تدعم بالعتاد والسلاح"، وهو ما يؤكد أن "المقاومة الوطنية الجنوبية" ستكون لها دور فاعل في الساحة، حيث أن الدعم اللوجستي والعسكري يعني أن هذا الفصيل سيكون قادراً على شن عمليات نوعية تستهدف التواجد العسكري للتحالف السعودي الإماراتي وكذا وكلائه المحليين، مما يُنذر باحتمالية تفجير صراع عسكري داخلي في عدن.

وبالنظر إلى الهدف التكتيكي المتمثل في "تحرير عدن وإدارتها كهدف أولي وواضح" بحسب تصريح أمجد خالد، فإن ذلك يضع هذا الفصيل في مسار تصادمي مباشر مع القوات المسيطرة حالياً، الأمر الذي يؤكد أن المعركة القادمة ستكون على مركز الثقل لتواجد التحالف وسيطرة وكلائه، وليس على الأطراف.

وفي المقابل فإن هذا التحالف يُشكل تحدياً وجودياً لـمجلس القيادة الرئاسي، القائم أساساً على تحالف مع القوى الداعمة السعودية والإماراتية، حيث أن ظهور فصيل جنوبي مسلح، يتلقى الدعم من الخصم الرئيسي (صنعاء)، ويُعلن قتال داعمي المجلس الرئاسي (السعودية والإمارات) تحت مسمى "الاحتلال"، يُجرد المجلس من أي غطاء وطني مستقل ويُعزز صورة كونه واجهة لهذه القوى.

في حال تحرك هذا الفصيل الجديد بقوة نحو أهدافه المعلنة، فإن الضربة الأشد فتكا ستقع على المجلس الانتقالي الحليف الإماراتي الأبرز والمطالب بالانفصال، حيث يضع هذا التطور في المشهد المجلس الانتقالي في زاوية ضيقة، فبينما يرفع الانتقالي شعار "تحرير الجنوب"، يرفع خالد شعار مقاومة "المحتل الإماراتي" الذي يمثل الضامن لبقاء الانتقالي في السلطة، وهذا من شأنه أن يقلب الموازين الأيديولوجية، ويرسخ صورة الانتقالي كأداة للمحتل، مما يبطل سردية "تحرير الجنوب" التي لطالما تذرع بها الانتقالي أمام القاعدة الشعبية.

ولا يمكن إغفال أن الإعلان المباشر عن هدف "تحرير عدن"- وفق تصريحات أمجد خالد- يعني أن "المقاومة الوطنية الجنوبية" ستكون جاهزة لمواجهة عسكرية مع قوات الحزام الأمني وقوات الانتقالي، هذا يهدد بتحويل عدن، التي اعتبرها الانتقالي مقلا رئيسيا له، إلى ساحة معارك داخلية، مما يُشتت جهود الانتقالي العسكرية والأمنية.

وبناء على كل تلك الاعتبارات المطروحة في هذا التقرير، فإنه يمكن الجزم بأن ما يمكن اعتباره تحالف بين "المقاومة الوطنية الجنوبية" وصنعاء، هو بمثابة إعادة إحياء لجبهة الجنوب، لكن هذه المرة بقيادة جنوبية تتبنى خطاباً معارضاً للتحالف بشكل صريح، وهذا التطور يرفع من احتمالات التصعيد العسكري في عدن، ويُعمق من أزمة شرعية مجلس القيادة الرئاسي، ويُشعل حرباً باردة وساخنة ضد مشروع المجلس الانتقالي الانفصالي، مما يُعقد بشكل جذري أي تحركات مستقبلية للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا