آخر الأخبار

الرياض تتدخل لإنقاذ الشرعية مؤقتاً بعد فشلها في توحيد الإيرادات

شارك

الدعم السعودي الأخير جاء، في جوهره، استجابة لحالة اختناق مالي غير مسبوقة تمر بها الحكومة، بعدما خسرت ما يقارب 3 مليارات دولار خلال ثلاثة أعوام نتيجة توقف تصدير النفط الخام، وتراجع الإيرادات المحلية، واستنزاف الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي.

وبمجرد وصول الدعم، سارع البنك المركزي لصرف الرواتب المتأخرة، في خطوة استثمرها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لتأكيد فعالية الإجراءات العاجلة للسعودية. لكن هذه الخطوة تؤكد اعتماد الحكومة شبه الكامل على التمويل الخارجي لسد عجزها التشغيلي، في ظل غياب مصادر داخلية ثابتة وموحدة.

قرار مجلس القيادة الرئاسي القاضي بإلزام المحافظات بتوريد عائداتها إلى البنك المركزي بعدن كان يُفترض أن يشكل نقطة تحول نحو الاستقرار المالي. غير أن هذا القرار سرعان ما فشل في التطبيق، إذ اصطدم بواقع سياسي وإداري معقد، يتمثل في رفض السلطات المحلية، خصوصاً في حضرموت، الامتثال للقرار، وهذا نتيجة غياب الثقة بالمنظومة المالية في عدن التي تُتهم بالعجز وسوء الإدارة والفساد.

تؤكد هذه المعطيات أن المحافظات باتت تتعامل مع البنك المركزي كجهة غير موثوقة، وأن أي عملية مركزية لتوحيد الإيرادات تتطلب أولاً استعادة ثقة مفقودة وليس مجرد فرض قرارات.

حضرموت، أكبر المحافظات النفطية، تقود حالياً ما يشبه تمرداً مالياً منظماً، فقد رفضت بصورة ضمنية توريد عائداتها، وربطت الامتثال بتحقيق الحكومة لالتزاماتها المالية. وزاد التصعيد حدّةً مع هجوم عضو مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني على رئيس مجلس القيادة العليمي، متهماً إياه بتجميد القرارات الخاصة بالمحافظة.

هذا الخلاف يكشف أن التوتر لم يعد اقتصادياً فقط، بل تحول إلى صراع نفوذ داخل مؤسسات السلطة نفسها، حيث يمثل المجلس الرئاسي– المفترض أنه قيادة موحدة– ساحة انقسامات تعطل أي إصلاح اقتصادي جاد.

إن عدم استعداد المحافظات لتسليم الإيرادات ليس مشكلة فنية ولا تمرداً محلياً فحسب، بل هو نتيجة طبيعية لتآكل الشرعية المالية والإدارية للحكومة، وتورط المؤسسات المركزية في شبكات فساد واسعة، وكذلك عجز البنك المركزي في عدن عن إدارة السياسة النقدية بفعالية، بالإضافة إلى غياب رؤية واضحة لتوزيع الموارد وضمان حقوق المحافظات.

من الواضح أن الدعم السعودي لن يتمكن من إصلاح الأعطاب العميقة في جسد حكومة الشرعية. فهو أقرب إلى حقنة مسكنة تمنع الانهيار اللحظي للحكومة، لكنها لا تعالج الأسباب انقسامات المجلس الرئاسي، وغياب الثقة بين المركز والمحافظات، وانعدام الشفافية، وتآكل القدرات المؤسسية، وغياب عقد اقتصادي جديد يضمن توزيع الثروة وحقوق المناطق.

إن الأزمة الحالية تكشف أن الحكومة والمجلس الرئاسي فشلا في توحيد الموارد العامة وفي إقناع المحافظات بسلطة البنك المركزي بعدن. وما لم يتم تبني استراتيجية شاملة لإعادة بناء الثقة فإن أي دعم خارجي سيظل مجرد حل إسعافي مؤقت، فيما تستمر أزمة المالية العامة في التفاقم وتستمر المؤسسات في التآكل.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا