وفي بيان لها أعلنت وزارة الداخلية في حكومة صنعاء، أمس السبت، عن تحقيق ما أسمته "إنجاز أمني نوعي" تمثل في تنفيذ هذه العملية، التي وصفت بأنها نتاج جهد استخباراتي مضنٍ وعمليات رصد ومتابعة دقيقة، لم تقتصر على مجرد إلقاء القبض على خلايا فردية، بل كشفت عن وجود "غرفة عمليات مشتركة" مقرها على الأراضي السعودية، تتولى تنسيق وتمويل وتدريب العناصر العميلة داخل اليمن بمشاركة ضباط من الدول الثلاث.
وتكتسب عملية تفكيك هذه الشبكة أهميتها من عدة محاور رئيسية تعكس تطور القدرات الأمنية والاستخباراتية لحكومة صنعاء، حث أن الكشف عن غرفة عمليات مشتركة تديرها ثلاث قوى رئيسية معادية (الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية) يشير إلى قدرة استخباراتية عالية على اختراق خطط العدو والوصول إلى أعمق مستويات التنسيق بين خصومها، إذ لم يقتصر الإنجاز على القبض على الجواسيس المحليين، بل وصل إلى مستوى الكشف عن آلية التنسيق الإقليمي والدولي الموجه ضدها، وهو ما يرفع من رصيدها الأمني بشكل كبير.
وفي وضع كهذا الذي تواجهه حكومة صنعاء في ظل استمرار حالة اللاحرب واللاسلم والتصعيد العسكري والتهديدات المستمرة، يمثل الإنجاز تحصينًا للجبهة الداخلية من أخطر أنواع الاستهداف وهو الاختراق من العمق، فاعترافات الشبكة كشفت عن مهام حساسة وطويلة الأمد استهدفت المؤسسات الحكومية، لا سيما العسكرية والأمنية والاقتصادية، وعملت على تمرير معلومات بالغة السرية والخطورة، حيث يغدو تفكيك شبكة بهذا الحجم يعني تجفيف مصدر معلومات حيوية للقوى المعادية، ويحد من قدرتها على استهداف الأهداف الحساسة وتفجير القلاقل الداخلية، وبعث رسالة طمأنة للشعب اليمني في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، بأن الأجهزة الأمنية لديها القدرة على حماية أمنه واستقراره.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه العملية تؤكد كفاءة وتطور جهاز الاستخبارات في صنعاء، كون الوصول إلى خلايا تلقت تدريبها ومعداتها من ضباط أجانب وفي مركز عمليات خارجي، يتطلب تقنيات رصد ومتابعة متقدمة وإدارة احترافية للمعلومات، وهو دليل على أن الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة صنعاء لم تعد تعمل بأساليب تقليدية، بل اعتمدت على أدوات تكنولوجية وبشرية متطورة، مكنتها من كشف وتوثيق المخططات والاعترافات، ما يدل على نهج عمل احترافي يهدف إلى تثبيت التهمة بالدليل القاطع وليس مجرد الاعتقال.
ويحمل الإعلان عن هذا الإنجاز الأمني والاستخباراتي النوعي جملة من الرسائل السياسية والأمنية الموجهة لأطراف المختلفة، فبالنسبة إلى الرسائل الموجهة إلى الخارج، وخاصة الأطراف المعادية لصنعاء، فإنه يمثل رسالة ردع استخباراتي، تكشف عن فشل استراتيجي للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية، وتحمل دلالة أن صنعاء لم تعد ساحة مفتوحة لعمليات التجسس أو تصفية الحسابات، ويهدد بكشف المزيد من الخفايا في حال استمرت محاولات الاختراق.
وعلى المستوى السياسي، وخاصة في ظل الحديث عن أمكانية استئناف مفاوضات السلام، فإن هذا الحدث، يحمل رسالة بأن حكومة صنعاء قوية ومتحصنة، وأن استهدافها عبر العملاء والجواسيس لن ينجح في إضعاف موقفها التفاوضي أو العسكري، كما أنها تؤكد الرواية المتكررة لصنعاء حول وجود تآمر ثلاثي (أمريكي-إسرائيلي-سعودي) يستهدف اليمن.
أما على المستوى الداخلي، فإن العملية مثلت رسالة طمأنة إلى الشعب في مناطق حكومة صنعاء، من شأنها تعزيز الثقة الشعبية في هذه الحكومة وأجهزتها الأمنية، وقدرتها على الصمود وإدارة الدولة وحماية المواطنين، كما أنها ترفع من الروح المعنوية وتؤكد أن "المعركة الأمنية" مستمرة وهي رديفة "للمعركة العسكرية"، وفي المقايل تحمل رسالة تحذير قاطع لكل من يفكر بالتعامل مع أي جهة معادية أو تقديم معلومات لها، فإذا كانت شبكة بهذا الحجم والتدريب قد سقطت، فهذا يعني أن القبضة الأمنية محكمة، وأن مصير الخيانة هو الكشف والعقاب.
وكمحصلة لكل تلك المعطيات فإنه لا يمكن النظر إلى عملية تفكيك هذه الشبكة التجسسية إلا باعتبارها انتصاراً استراتيجياً للأجهزة الأمنية في صنعاء، ينتقل بها من مربع الدفاع إلى مربع الهجوم الاستخباراتي. هذا الإنجاز لا يرسخ صورة الدولة "القادرة على السيطرة" أمام الداخل فحسب، بل يفرض على القوى الخارجية إعادة النظر في أساليبها الاستخباراتية في اليمن، مؤكداً أن ساحة المواجهة بين صنعاء وخصومها قد امتدت لتشمل حرب الاستخبارات التي لا تقل ضراوة عن المعارك العسكرية.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية