العملية التي جاءت- بحسب البيان- بعد أشهرٍ من الرصد والمتابعة والتحليل الميداني، كشفت حجم التداخل والتنسيق بين أجهزة الاستخبارات المعادية، ومساعيها لاختراق الداخل اليمني بعد فشلها العسكري في الميدان. فقد أوضح البيان أن الخلايا التي تم ضبطها كانت تتلقى تدريباتها وتجهيزاتها من ضباط أجانب، وتعمل على رصد مواقع حيوية ومدنية وعسكرية، ورفع الإحداثيات التي استُخدمت لاحقاً في غاراتٍ جوية أودت بحياة مئات المدنيين.
منذ انكسار العدوان في معظم الجبهات العسكرية، انتقل محور واشنطن – الرياض – تل أبيب إلى خوض حربٍ استخباراتية واقتصادية مركّزة ضد اليمن، مستغلاً الوضع المعيشي الصعب لاستقطاب بعض العناصر الضعيفة عبر المال والإغراءات.
لكن العملية الأخيرة، التي كشفت عنها صنعاء، تُظهر أن المعادلة انقلبت: فبينما كان التحالف يسعى لاختراق الداخل اليمني، تمكّنت الأجهزة الأمنية اليمنية من اختراق شبكات التجسس نفسها وإفشال خطط قبل تنفيذها، في مؤشرٍ على تفوقٍ استخباراتي يُضاف إلى التفوق الميداني والعسكري.
اللافت في مضمون البيان أن غرفة العمليات المشتركة كانت تُدار من الرياض، ما يعني أن السعودية لم تكتفِ بالدور التمويلي أو اللوجستي للعدوان، بل تحوّلت إلى مركز إدارةٍ استخباراتية لتنسيق المهام بين الموساد ووكالة المخابرات الأمريكية.
هذا التوصيف، إن صحّ، يعيد التأكيد على طبيعة التخادم السعودي الإسرائيلي الأمريكي في العدوان على اليمن، والذي لم يعد يقتصر على التحالف العسكري والسياسي، بل بات يمتد إلى العمق الأمني والاستخباري، في محاولة لإرباك الجبهة الداخلية لصنعاء وكبح عملياتها الداعمة لغزة وفلسطين.
نجاح الأجهزة الأمنية في كشف هذه الشبكة يُعدّ رسالة مزدوجة الاتجاه: إلى الداخل، بتعزيز الثقة الشعبية بقدرات الدولة ومؤسساتها الأمنية، وإلى الخارج، بأن صنعاء باتت تمتلك منظومة استخباراتية قادرة على المواجهة وإفشال الاختراقات.
فمن الواضح أن اليمن، الذي راكم خبرة ميدانية في الحرب العسكرية، بدأ الآن يُظهر نضجاً استخباراتياً يمكّنه من إدارة معركة الوعي والمعلومات، وهي المعركة التي تراهن عليها القوى المعادية بعد عجزها عن فرض الحسم بالنار.
في البعد الرمزي، تسمية العملية بـ"ومكر أولئك هو يبور" تعبّر عن ثقة صنعاء بانتصارها في معركة المكر والخداع التي تُدار من وراء البحار.
فبينما تسعى واشنطن وتل أبيب والرياض لإرباك اليمن من الداخل، تبدو أجهزة صنعاء أكثر تماسكاً، قادرة على الإمساك بخيوط اللعبة وكشف أدواتها واحدة تلو الأخرى.
إنها ليست مجرد عملية أمنية، بل إعلانٌ عن مرحلة جديدة من الصراع، حيث تتحول المواجهة من الجبهات العسكرية إلى جبهات العقول والخرائط والإحداثيات.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية