آخر الأخبار

جنوب اليمن: اقتصاد الفساد وهاوية الكارثة الإنسانية

شارك

لا يقتصر التقرير على وصف المعاناة فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى تحديد الأسباب الجذرية لهذه الكارثة، مُلقيًا الضوء على شبكات الفساد المستشرية والتهريب المنظم للنفط، والتي تحولت إلى وقود حقيقي للحرب على حساب الشعب. هذا التحليل سيتعمق في تفكيك عناصر التقرير، وكيف يرسم صورة لاقتصاد حرب تستفيد منه قوى محلية وإقليمية على حساب الانهيار المعيشي للسكان.


* اقتصاد الحرب: النفط كـ "مصدر رئيس لتمويل النزاع":

يمثل اتهام التقرير بأن "عمليات تهريب النفط تحولت إلى مصدر رئيس لتمويل النزاع المسلح" المحور الأبرز والأكثر خطورة. يشير هذا بوضوح إلى أن الموارد الطبيعية للبلاد، التي يفترض أن تُستخدم لدعم العملة ودفع الرواتب وتوفير الخدمات، قد جرى تحويلها بشكل منهجي.

سيطرة الفصائل كعامل رئيسي: يؤكد التقرير أن الفصائل الموالية للتحالف التي تسيطر على مناطق إنتاج وتصدير النفط والشريط الساحلي (من الخوخة حتى المهرة وسقطرى)، هي المستفيد المباشر من هذا التهريب. هذا التوزيع الجغرافي للسيطرة يُنشئ "مناطق اقتصادية خاصة" خارج إطار الرقابة الحكومية، مما يتيح تداول النفط وبيعه في السوق السوداء دون العودة إلى الخزينة العامة.

تمويل النزاع وتعميقه: إن تحويل عائدات النفط من مصدر دخل وطني إلى مصدر لتمويل الفصائل يضمن استمرار الآلة العسكرية لهذه الأطراف، مما يعمق أمد الصراع ويجعل أي حل سياسي بعيد المنال، طالما أن استدامة الحرب مضمونة عبر هذه العائدات غير المشروعة.


* شبح الفساد وغياب الشفافية في "حكومة عدن":

أشار التقرير بوضوح إلى أن الأزمة الإنسانية هي نتاج مباشر لـ"سوء الإدارة والفساد وانعدام الشفافية" في مؤسسات "حكومة عدن". هذه النقطة تكشف عن فشل ذريع في البنية الإدارية والاقتصادية للمناطق المحررة.

فقدان السيطرة المؤسسية: إن افتقار الحكومة إلى السيطرة على مؤسساتها الرسمية لا يعني مجرد ضعف إداري، بل يعني تفككًا هيكليًا يسمح للأطراف النافذة (القوى المحلية والإقليمية) بالعمل خارج القانون. هذا الفراغ الإداري يصبح تربة خصبة للفساد على كافة المستويات، من الإغاثة إلى الموارد.

تفاقم المعاناة: النتيجة النهائية لهذا الفساد ليست مجرد خسائر مالية، بل هي تفاقم مباشر لمعاناة المواطنين. فالموارد التي كان يجب أن تستخدم في استعادة الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والصحة والمياه، يتم تحويلها بشكل غير قانوني، مما يترك السكان في مواجهة الانهيار الخدمي.


* مؤشرات الكارثة الإنسانية والارتفاع المستمر للأسعار:

حذر التقرير من "تصاعد معدلات انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات حرجة"، مع الإشارة إلى محافظة الضالع كنموذج للمناطق الأكثر تضرراً. هذا التحذير يؤكد أن الوضع لم يعد مجرد "أزمة"، بل يقترب من "كارثة إنسانية وشيكة".

السياسات الاقتصادية المُفاقِمة للأزمة: تزامن التحذير الأممي مع قرار "حكومة عدن" برفع سعر الدولار الجمركي إلى الضعف. هذا القرار، الذي وصفته الحكومة بالإصلاح، هو في الحقيقة ضربة قاصمة للقدرة الشرائية للمواطن. الاعتماد شبه الكلي على الواردات في جنوب اليمن يعني أن أي زيادة في الرسوم الجمركية تُترجم مباشرة إلى "قفزة جديدة في أسعار المواد الغذائية"، مما يدفع بالمزيد من الأسر إلى دائرة الفقر والجوع.

الإصلاحات الشكلية مقابل الواقع المتردي: يسلط التقرير الضوء على التناقض بين شعارات "الإصلاحات الاقتصادية" التي ترفعها السلطة الموالية للتحالف، وبين الواقع المتسارع للتدهور. هذا التناقض يشير إلى أن الهدف من هذه الإجراءات قد لا يكون الإصلاح الاقتصادي الحقيقي بقدر ما هو محاولة لتجميل الصورة أو تحقيق مكاسب مالية فورية على حساب استقرار الأسواق ومعيشة الناس.


* خلاصة وتداعيات التقرير:

يؤكد هذا التقرير الأممي فكرة أن المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف قد تحولت فعليًا إلى "بؤر فساد ونهب منظم لموارد البلاد"، حيث يتم استنزاف الثروات الوطنية لتمويل صراع لا ينتهي وتغذية شبكات فساد، في حين يُترك السكان لمواجهة "الجوع والفوضى وانعدام الأمن". التداعيات الرئيسية لهذا التقرير هي:

ضرورة التدخل الدولي الرقابي: يكشف التقرير عن الحاجة الملحة لآلية دولية رقابية أكثر صرامة لا تقتصر على مراقبة النزاع العسكري، بل تتسع لتشمل الإشراف على إدارة الموارد السيادية، وبخاصة النفط، لضمان وصول عائداتها إلى البنك المركزي ودفع رواتب الموظفين واستعادة الخدمات.

المساءلة المباشرة: يفتح التقرير الباب واسعًا أمام مساءلة الأطراف التي يُشار إليها بوضوح كـ"قوى محلية وإقليمية" متورطة في التهريب والفساد، مما يتطلب من مجلس الأمن اتخاذ إجراءات عقابية للحد من تمويل اقتصاد الحرب.

باختصار، يضع تقرير الخبراء المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وسياسية لمواجهة الأسباب الهيكلية الكامنة وراء الكارثة الإنسانية في جنوب اليمن، والتي لم تعد مجرد نتيجة للحرب، بل نتيجة مباشرة للفساد المؤسسي واقتصاد النهب المنظم.


* نقلا عن عرب جورنال



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا