آخر الأخبار

قوة المبدأ في زمن المساومات.. كيف أعاد الحوثي تعريف المقاومة في العالم العربي ؟

شارك


بحسب ما نقلته الصحيفة، فإن محاولات دبلوماسية قادتها أطراف عربية فاعلة- من قطر ومصر والسعودية- جرت خلال الأشهر الأخيرة لإقناع صنعاء بوقف عملياتها في البحر الأحمر، غير أن الحوثيين رفضوا كل تلك الدعوات.
هذا الرفض لم يكن مجرد عناد سياسي، بل تعبير عن رؤية استراتيجية ترى أن أي تهدئة من طرف واحد ستُفهم كتنازل عن مبادئ المقاومة، وتفريط في واجب نصرة الفلسطينيين الذين يتعرضون لـ"إبادة جماعية" على أيدي إسرائيل.
إن رفض صنعاء للضغوط العربية يعكس تحولاً عميقاً في ميزان القوة الإقليمي، حيث لم تعد الدول التي كانت تُصنّف في موقع القيادة التقليدية للعالم العربي قادرة على فرض رؤيتها أو ضبط إيقاع المقاومة. فقد انتقل زمام المبادرة إلى قوى جديدة، أكثر تحرراً من الحسابات الدبلوماسية، وأكثر التصاقاً بالخطاب الشعبي المعبّر عن الوجدان العربي والإسلامي.
تؤكد تصريحات الدبلوماسية الأممية السابقة أبريل لونجلي آلي، التي نقلها التقرير، أن الحوثيين "يؤمنون إيماناً راسخاً بهذا الجهاد لإخراج إسرائيل من الأرض الفلسطينية".
هذا الوصف يعبّر عن قوة البعد العقائدي والأخلاقي في قرار صنعاء. فالمسألة، بالنسبة للحوثيين، ليست مجرد تضامن سياسي مع غزة، بل واجب ديني وإنساني يرتبط بفكرة "نصرة المظلومين" ورفض الظلم أينما كان.
من هذا المنطلق، يرى الحوثي أن التراجع عن دعم فلسطين يُفقد الحركة هويتها، ويجعلها شبيهة ببقية الأنظمة التي صمتت طويلاً أمام معاناة الشعب الفلسطيني.
يكشف التقرير أن البيت الأبيض نسّق مع شركائه الإقليميين "لتأمين ممرات الشحن وإضعاف قدرات الحوثيين"، لكنه في الوقت نفسه أدرك- بعد حملته العسكرية التي خسر خلالها ثلاث طائرات حربية- أن الحوثيين يمتلكون قدرة حقيقية على الصمود.
هذا الاعتراف الضمني من واشنطن، إضافةً إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين توقعوا أن يظل الحوثيون "تحدياً كبيراً لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي حتى بعد انتهاء الحرب في غزة"، يسلّط الضوء على التحول النوعي في موقع صنعاء داخل منظومة الصراع الإقليمي.
فاليمن، الذي كان يُنظر إليه لعقود كدولة هامشية ضعيفة، بات اليوم رقماً صعباً في معادلة الأمن البحري والإقليمي، وقوةً قادرة على التأثير في حركة الملاحة العالمية.
لم يعد الحوثي مجرد قائد جماعة محلية. فوفقاً لتقرير الصحيفة، يُنظر إليه الآن باعتباره "الزعيم العربي والإسلامي الأبرز الذي يدافع عن الفلسطينيين".
تصدّر اسمه في استطلاعات الرأي الفلسطينية، وارتفعت صوره في شوارع إسطنبول وتونس وطهران، بل وحتى في التظاهرات الغربية المؤيدة لغزة.
هذا الحضور الشعبي العابر للحدود يكشف أن الشرعية المعنوية في العالم العربي انتقلت من الأنظمة إلى حركات المقاومة. لقد أصبح الحوثي رمزاً للثبات على المبدأ في زمن المساومات، وصوتاً يُعيد تعريف معنى القيادة في المنطقة: القيادة لا تُقاس بامتلاك الثروة أو الجيوش، بل بالموقف الأخلاقي تجاه قضايا الأمة.
أظهر التقرير أن السعودية، التي شنت أكثر من 145 ألف غارة واستطلاع على اليمن، لم تتمكن من القضاء على الحوثيين أو حتى تحديد مكان قائدهم. في المقابل، نجح الحوثيون في تهديد منشآت النفط، وهو ما قوّض صورة الاستقرار التي تسعى المملكة والإمارات لترويجها، وأثر على خططهما الاقتصادية الطموحة.
بهذا المعنى، تحوّل الحوثي إلى عقدة أمنية وسياسية في الإقليم، لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها في أي معادلة سلام أو صراع قادمة.
إن ما تكشفه وول ستريت جورنال ليس مجرد تفاصيل دبلوماسية، بل ملامح مرحلة جديدة في الوعي العربي والإقليمي. فصنعاء، التي كانت تُعتبر في الماضي ساحة صراع بالوكالة، باتت اليوم لاعباً فاعلاً يفرض شروطه، ويحدّد سقف المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وفي قلب هذا التحول يقف عبد الملك الحوثي، القائد الذي جمع بين الإيمان العميق بالمبدأ والصلابة الاستراتيجية في الميدان، ليصبح رمزاً لمعادلة جديدة: أن تكون قوياً لا يعني أن تملك السلاح فقط، بل أن تملك الحق، وتؤمن به حتى النهاية.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا