خلال السنوات الماضية، تمكنت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية اليمنية من بناء منظومة رصد ومتابعة متطورة، أسفرت عن تفكيك شبكات تجسس متعددة تابعة للموساد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، كان آخرها خلية تجسس تعمل تحت غطاء إحدى المنظمات الأممية.
هذه الإنجازات لم تكن مجرد نجاحات أمنية فحسب، بل رسائل واضحة بأن صنعاء باتت تملك اليد العليا في ميدان الاستخبارات، وتتفوق على خصومها في إدارة الحرب الخفية التي تُخاض على الأرض اليمنية.
في وقت تحاول إسرائيل، عبر منصات التواصل الاجتماعي، التغلغل في الداخل اليمني واستقطاب معارضين لأنصار الله لصالح وحدة العمليات السرية "504"، فإن هذه المساعي تصطدم بوعي شعبي متنامٍ وبخبرة أمنية متينة تراكمت عبر عقد من المواجهة مع أجهزة استخبارات متعددة الجنسيات.
وقد كشفت الأجهزة اليمنية مراراً عن خلايا نُسّق عملها عبر وسطاء سعوديين وإماراتيين، تتلقى تمويلاً وتدريباً بإشراف مباشر من ضباط أمريكيين وإسرائيليين متمركزين في قواعد عسكرية على الساحل الغربي.
المعلومات التي تسرّبت مؤخراً عن وجود قوات أجنبية في مناطق المخا والحديدة وجزيرة زقر، تضم عناصر من جنسيات أمريكية وإسرائيلية وكولومبية، تفضح حجم الأطماع الغربية والإسرائيلية في السيطرة على الممرات المائية الحيوية في البحر الأحمر وباب المندب.
لكن ما لا تدركه هذه القوى أن اليمن- من خلال قواته البحرية وسلاحه الصاروخي والمسيّر- بات يمتلك القدرة على قلب موازين السيطرة في أي مواجهة مقبلة، وأن أي مغامرة في هذا الاتجاه ستكون عواقبها وخيمة على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
تُعوّل تل أبيب وواشنطن على التشكيلات المسلحة التابعة لحكومة ما يُعرف بـ"الشرعية" والمدعومة سعودياً وإماراتياً، غير أن التجربة الممتدة منذ عام 2015 أثبتت أن هذا الرهان خاسر. فهذه التشكيلات لم تحقق أي تقدم يُذكر رغم الدعم العسكري والسياسي الهائل الذي تلقته، بينما تمكنت قوات صنعاء من الصمود بل والانتقال إلى مرحلة الردع الهجومي عبر البحر الأحمر وضرب العمق الإسرائيلي في عملياتها المساندة لغزة وعمليات الرد على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف اليمن.
لقد جرّبت واشنطن وتل أبيب ومن خلفهما الرياض وأبوظبي كل أدوات الحرب التقليدية والاستخباراتية والإعلامية ضد صنعاء، لكن النتيجة كانت واحدة: فشل ذريع وهزيمة مدوية، مقابل صمود أسطوري لدولة أغلقت كل الثغرات الأمنية والعسكرية، وفرضت معادلة جديدة في المنطقة.
اليوم، تُدرك صنعاء أن المعركة المقبلة لن تكون مجرد مواجهة عسكرية، بل حرب استخبارات ومعلومات وتجنيد وعمليات نفسية. لذلك، تواصل تعزيز منظومتها الأمنية والرقابية، وتعمل على تنقية المؤسسات والمنظمات من أي اختراق محتمل.
وفي الوقت نفسه، تبعث صنعاء برسائل واضحة إلى تل أبيب وواشنطن مفادها أن اليمن لن يكون ساحة مفتوحة لأي عدوان، وأن أي محاولة لزعزعة أمنه أو اختراق سيادته ستُواجه برد قاسٍ يتجاوز الحدود الجغرافية.
كل المؤشرات تؤكد أن صنعاء في حالة يقظة دائمة واستعداد كامل لمواجهة أي تصعيد إسرائيلي – أمريكي، سواء عبر شبكات التجسس أو من خلال أدوات التحالف. وفي المقابل، تبدو خيارات تل أبيب وواشنطن محدودة، بعدما فشلت رهاناتهما السابقة، وبات اليمن اليوم أكثر قوة وتماسكاً وخبرة في مواجهة الحروب المركّبة.
إنها معادلة جديدة تُكرّس حقيقة أن اليمن لم يعد الحلقة الأضعف، بل رقماً صعباً في معادلة الصراع الإقليمي والدولي.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية