آخر الأخبار

أهل غزة يعودون لديارهم ومستوطنو الشمال في الملاجئ .. معادلة نصرالله قائمة

شارك

حين شنّت إسرائيل عدوانها على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى"، أعلنت أنها تسعى إلى "تدمير حماس"، و"القضاء على بنيتها التحتية"، و"استعادة الردع الكامل". إلا أن الوقائع بعد عامين من الحرب تكشف أنها لم تحقق أيَّاً من هذه الأهداف. ورغم المجازر والتدمير الهائل، اضطرت القيادة الإسرائيلية إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق نار في ظل ضغوط دولية متزايدة، وتكلفة بشرية وعسكرية متصاعدة داخل الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والتي شهدت تصدعات غير مسبوقة.

توقيع الاتفاق لم يكن ثمرة انتصار إسرائيلي، بل نتيجة فشل ذريع في الميدان، وعجز عن الصمود أمام استنزاف طويل الأمد فرضته المقاومة الفلسطينية، التي أثبتت أنها تمتلك نفساً طويلاً وقدرة على التنظيم والتكتيك، رغم الدمار الهائل والحصار.

بالتوازي مع المعركة في غزة، فتح حزب الله جبهة استنزاف ذكية ومدروسة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. ومع تصاعد الضربات النوعية ضد المواقع العسكرية والمستوطنات، اضطر مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين إلى النزوح من الشمال نحو وسط وجنوب الكيان. ومع توالي العمليات، تحوّلت منطقة الشمال إلى ما يشبه "منطقة عسكرية مغلقة" مهجورة من سكانها.

في خضم ذلك التصعيد، جاء- حينها- خطاب السيد حسن نصرالله واضحاً: "السبيل الوحيد لإعادة المستوطنين إلى الشمال هو وقف العدوان على غزة والضفة". التحدي كان مباشراً وواقعياً ومبنيّاً على معادلة ردع جديدة فرضها حزب الله ميدانياً. ورغم استشهاد السيد نصرالله وغالبية قادة الحزب لاحقاً في عمليات اغتيال إسرائيلية، إلا أن التهديد لا يزال قائماً، والنتيجة لا تزال على حالها: المستوطنون لم يعودوا، والشمال لا يزال خارج نطاق السيطرة الإسرائيلية المدنية.

عدة عوامل تكشف عمق الفشل الإسرائيلي في تحقيق "صورة النصر"، منها: انهيار الثقة بالجيش، نتائج الحرب على غزة والجبهة الشمالية أضعفت الثقة بالمؤسسة العسكرية. لم يعد الجيش قادراً على ضمان أمن الداخل، رغم ميزانياته الضخمة وتدريباته المستمرة، وكذلك استنزاف الجبهة الداخلية فالحرب طويلة الأمد، والخسائر الاقتصادية والمعنوية، والخوف من صواريخ المقاومة، كلها أدت إلى إرهاق المجتمع الإسرائيلي وانقسامه، بالإضافة إلى فقدان القدرة على المبادرة الاستراتيجية، فإسرائيل باتت في موقع ردّ الفعل، بينما المبادرة بيد المقاومة. هي من تختار الزمان والمكان وتفرض قواعد الاشتباك.

صورة الانتصار الرمزي لدى الطرف الفلسطيني، تمثل في: بقاء المقاومة، عودة أهالي غزة إلى بيوتهم– رغم دمارها– وتهجير المستوطنين من الشمال، كلها صور نصر واضحة تُقابل بعجز إسرائيلي عن تقديم إنجاز سياسي أو عسكري ملموس.

إن هشاشة إسرائيل اليوم ليست مجرد ضعف عسكري طارئ، بل هي نتيجة طبيعية لتراكمات استراتيجية فاشلة، وتعويل مفرط على التفوق التكنولوجي بدلاً من الفهم السياسي والواقعي لطبيعة الصراع. المقاومة في غزة ولبنان استطاعت أن تعيد تعريف معادلة الردع، وفرضت واقعاً جديداً لا يبدو أن تل أبيب قادرة على تجاوزه بدون أثمان باهظة.

ختاماً، يمكن القول إن التحدي الذي أطلقه السيد نصرالله لا يزال ماثلاً. فإسرائيل عاجزة عن إعادة المستوطنين إلى الشمال، تماماً كما عجزت عن كسر المقاومة في الجنوب. وبين هذا وذاك، بات الكيان الصهيوني يترنّح على حافة مأزق استراتيجي، قد لا يكون أمامه من مخرج إلا الاعتراف بأن زمام المبادرة لم يعد في يده.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا