آخر الأخبار

من أكذوبة حل الدولتين إلى خطة ترامب.. عناوين ناعمة لتصفية القضية الفلسطينية

شارك

خطة ملغومة

وتضم الخطة التي أعلن عنها ترامب 20 بندا جميعها ملغومة وتصب في صالح الكيان الإسرائيلي، غير أن أخطر ما فيها هو تسليم القطاع لإدارة دولية خاضعة للكيان الإسرائيلي، وإخلائه من أي تواجد عسكري، وإخراج المقاومة من القطاع وتسليم أسلحتها وتدمير منشآتها العسكرية بالإضافة إلى السماح لسكان القطاع بالمغادرة وهو ما يعني التهجير الطوعي، وفي المقابل فلا ضمانات حقيقية لوقف العدوان الإسرائيلي بعد تسليم المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، والذين تنص الخطة على تسليمهم جميعا أحياء وأموات، قبل وقف إطلاق النار، وبدون أي شروط.

تأييد يجسد الخذلان

وبدا التأييد من قبل دول عربية وإسلامية لهذه الخطة المجحفة بحق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، مخيبا لآمال الشعوب العربية والإسلامية، وتجسيدا للخذلان الذي تعرضت له المقاومة الفلسطينية، وتركها لمواجهة مصيرها أمام أبشع وأشرس عدوان عبر التاريخ، مسنودا بدعم غير مسبوق من الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد ساعات من إعلان ترامب ونتنياهو عن الخطة، أصدرت كل من السعودية والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر ومصر بيانا مشتركا رحبت فيه بإعلان ترامب عن نقترحه بشأن غزة، كما رحبت بما أسمته "الدور القيادي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجهوده الصادقة لإنهاء الحرب في غزة"، مؤكدين "ثقتهم بقدرته على إيجاد طريق للسلام"، ومؤكدين أيضا على أهمية الشراكة.

وبدا هذا البيان من تلك الدول صادما للشعوب العربية والإسلامية، حيث ينظر إلى هذا الترحيب بخطة ترامب باعتباره تخل عن المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ومؤشر على إفساح المجال أمام مخطط تصفية القضية الفلسطينية في صفقة مشبوهة وغير مبررة.

حقيقة حل الدولتين

وسبق خطة ترامب نقاش واسع حول ما يسمى بـ "حل الدولتين"، والذي أثاره المؤتمر الذي دعت إليه فرنسا والسعودية، حيث يرى المحللون أن العودة لإحياء هذا المصطلح يمثل تحولاً خطيراً يهدد بتصفية القضية الفلسطينية، عبر تقليص المساحة المقترحة للدولة، وتفريغها من أي سيادة حقيقية. فبدلاً من الالتزام كحد أدنى بمبدأ حل الدولتين القائم على حدود عام 1967، أصبح الواقع يشير إلى السعي لإقامة كيان فلسطيني غير كامل السيادة على مساحة لا تتجاوز 9.7% من مساحة فلسطين التاريخية، وهو انتهاك صارخ لحق الشعب الفلسطيني، قبل أن يكون انتهاكا للقرارات الأممية وحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة.

القضم التاريخي: من الـ 44% إلى الـ 9.7%

وبالحديث عن حل الدولتين يتضح التلاعب بالمساحات المخصصة للدولة الفلسطينية عبر التاريخ منذ العام 1947، حيث بدأت عملية تقليص المساحة فعلياً مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 (قرار التقسيم)، والذي نص على تخصيص حوالي 56% من فلسطين التاريخية للدولة اليهودية، وحوالي 44% من فلسطين التاريخية للدولة العربية، ووضع مدينة القدس تحت نظام دولي خاص.

وفي حين اعتبرت الوكالة اليهودية هذا القرار أساساً شرعياً لما يسمى "دولة إسرائيل"، فإن الجانب العربي، ممثلاً بالجامعة العربية، رفضه رفضاً قاطعاً، واعتبره غير قانوني لكون الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تملك سلطة تقسيم دولة أو التصرف في أراضيها دون موافقة الأغلبية السكانية وحقها في تقرير المصير وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

وأدت حرب 1948 (النكبة) إلى سيطرة إسرائيل على ما يقارب 77% من الأراضي. ومع حل الدولتين اللاحق، الذي اقترحته القرارات الأممية المتعلقة بالصراع (مثل قرار مجلس الأمن رقم 242)، أصبح الإطار هو إقامة الدولة الفلسطينية على 22% إلى 23% من مساحة فلسطين التاريخية (الضفة الغربية وقطاع غزة). هذا الإطار يمثل الحد الأدنى الذي قَبِل به الفلسطينيون.

لكن واقع الأرض اليوم أكثر قتامة.. فبموجب اتفاقيات أوسلو، قسمت الضفة الغربية، إلى ثلاث مناطق "أ، ب، ج"، تخضع المنطقة "ج" والتي تمثل 60% من مساحة الضفة الغربية لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، ما يعني أن المساحة الفعلية التي تُطرح اليوم لإقامة دولة فلسطينية منقوصة السيادة، هي 40% من مساحة الضفة الغربية (مناطق "أ" و "ب") بالإضافة إلى كامل قطاع غزة)، بمساحة أجمالية لا يتجاوز 2,627 كم مربع، وهو ما يعادل تقريباً 9.7% من إجمالي مساحة فلسطين التاريخية البالغة حوالي 27,000 كم مربع.

كنتونات منقوصة السيادة

إن المخطط القائم لا يهدف إلى إقامة دولة ذات سيادة، بل إلى حشر الشعب الفلسطيني في "كنتونات" متقطعة ومعزولة، تشبه المعازل أو الجزر، بحيث تصبح المساحة البالغة 9.7\% من الأرض كياناً ممزقاً، يتوزع بين سلسلة من الجيوب الفلسطينية المتصلة بمنطقتي "أ" و "ب" في الضفة الغربية، والمحاطة والمفصولة بالكامل بمناطق "ج" التي تشكل 60% من مساحة الضفة، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، فيما يظل قطاع غزة كياناً جغرافياً منفصلاً بلا سيادة، ومحاصراً ومعرضاً للتهديدات العسكرية والضم، ولا يتمتع بأي سيادة على موارده ومعابره.

ويرسخ هذا النموذج مفهوم "الدولة المنقوصة السيادة"، حيث تبقى إسرائيل هي المهيمنة على: الحدود، المجال الجوي، المياه، الأمن الشامل، والموارد الطبيعية. إن إقامة دولة على 9.7% من الأرض، مقسمة إلى كنتونات محاصرة ومنقوصة السيادة، هو في حقيقته عملية تصفية للقضية الفلسطينية تحت مسمى "حل الدولتين"، حيث تتحول "الدولة" إلى مجرد سلطة إدارية محلية داخل حدود إسرائيلية، وهو ما يعد احتلالا قائما بكل أركانه وشروطه.

التواطؤ العربي: غطاء دولي للإجحاف

وتتفاقم خطورة هذا المخطط بسبب التواطؤ العربي الصامت أو العلني، حيث تسعى بعض الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل والترويج لحل إقليمي لا يلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال قبول صيغة "الدولة المنقوصة"، وتقديم غطاء عربي ودولي للاعتراف بكيان فلسطيني لا يتمتع بسيادة كاملة ولا يشمل القدس الشرقية، ودفع القضية الفلسطينية إلى ذيل قائمة الاهتمامات الإقليمية.

وبالإضافة إلى ما تضمنته خطة ترامب من إخضاع رسمي لقطاع غزة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي وإخماد المقاومة الفلسطينية، فإن هذا القبول بالحد الأدنى بما يخص "حل الدولتين" يخدم الرؤية الإسرائيلية لتثبيت سيطرتها على غالبية الضفة الغربية والأغوار والموارد، ما يُبقي على مصير الملايين من الفلسطينيين رهناً لتهديدات الضم المستمر، ويقضي بشكل نهائي على إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا