بحسب ما نقلته وكالة رويترز، اليوم السبت، فإن المملكة العربية السعودية قررت تقديم دعم مالي جديد بقيمة 1.38 مليار ريال سعودي (نحو 368 مليون دولار) لحكومة الشرعية، وذلك عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. هذه الخطوة تأتي بعد أيام من إعلان دعم عسكري لقوات خفر السواحل اليمنية بمقدار 4 ملايين دولار، وسط توتر أمني تشهده المنطقة البحرية جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.
يُنظر إلى هذا الدعم كجزء من سياسة تحصين الحكومة اليمنية الموالية للرياض، التي تعاني من تراجع اقتصادي حاد وتحديات سياسية وأمنية في مناطق سيطرتها. واللافت أن توقيت هذا الدعم يتزامن مع تصعيد غير مسبوق من قبل قوات صنعاء في البحر الأحمر، ضمن عملياتها الإسنادية لغزة، حيث تقوم بعمليات صاروخية وبالطائرات المسيرة ضد أهداف حساسة في العمق الإسرائيلي، بالتوازي مع فرض حظر فعلي على مرور السفن المرتبطة بتل أبيب في الممرات البحرية اليمنية.
من المؤشرات الواضحة على التماهي بين السعودية والإدارة الأمريكية (ومن خلفها إسرائيل) في هذه المرحلة، انعقاد "مؤتمر شراكة الأمن البحري اليمني"، وهو مؤتمر دعت إليه واشنطن، وشاركت فيه الرياض، وتم خلاله الإعلان عن تقديم دعم مباشر لخفر السواحل اليمنية في عدن. وقد صرّحت السفارة الأمريكية أن الهدف من المؤتمر هو مواجهة "أنشطة الحوثيين" التي تهدد الملاحة الدولية، في إشارة واضحة إلى العمليات التي تستهدف السفن الإسرائيلية.
رداً على هذه التحركات، أطلق عبد الملك الحوثي، قائد حركة أنصار الله، تحذيرات شديدة اللهجة للسعودية، مشيراً إلى أن هذا المؤتمر يأتي في سياق حماية السفن الإسرائيلية، لا سيما في ظل مشاركة الرياض فيه. واعتبر الحوثي أن الرياض "تنخرط بشكل مباشر في مشاريع صهيونية تحت غطاء أمريكي"، محذراً من عواقب وتداعيات مثل هذه الخطوات.
في قراءة معمقة لهذه التطورات، يظهر بوضوح أن السعودية باتت ترى في استمرار الدعم لحلفائها في اليمن ضرورة استراتيجية، ليس فقط من أجل التوازن المحلي في الصراع اليمني، ولكن أيضاً كجزء من منظومة إقليمية تهدف إلى حماية مصالح إسرائيل في الممرات البحرية، خصوصاً بعد أن أصبحت قوات صنعاء لاعباً محورياً في الصراع العربي-الإسرائيلي على خلفية الحرب في غزة.
ورغم محاولات الرياض تقديم هذا الدعم تحت غطاء "تنمية وإعمار"، فإن الطابع الأمني والعسكري المتزايد لهذا الانخراط يعكس تحولاً في الأولويات السعودية، من "احتواء الحوثيين" إلى المشاركة في جهود تطبيع خفي وتحالف غير معلن مع تل أبيب ضد ما يُعتبر "محور المقاومة"، الذي تقف صنعاء ضمن أبرز أركانه حالياً.
ما نشهده اليوم ليس مجرد دعم سعودي لحكومة يمنية حليفة، بل هو امتداد لسياسة إقليمية جديدة تتداخل فيها المصالح السعودية والإسرائيلية، خصوصاً في ظل التحولات الجيوسياسية الأخيرة التي فجّرتها الحرب الإسرائيلية على غزة. ويبدو أن اليمن، من جديد، يتحول إلى ساحة مواجهة بالوكالة، حيث تُوظّف الأدوات الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، في صراع أوسع يدور على تخوم فلسطين والبحر الأحمر معاً.
وفي ظل هذا التعقيد، فإن أي تصعيد جديد في البحر الأحمر قد لا يبقى محصوراً في جغرافيا اليمن، بل قد يتوسع ليطال الأمن الإقليمي بأكمله، وربما يعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة من جديد.