آخر الأخبار

المعادلة العسكرية بين "أنصار الله"  و "إسرائيل" .. ميزان قوة يختل لصالح صنعاء

شارك


هذا التحول أثار تساؤلات عديدة حول جدوى الاستراتيجية الإسرائيلية، وقدرتها على تحقيق الردع في ظل حرب استنزاف تبدو كفتها تميل إلى الحوثيين.

70 صاروخاً مقابل 14 غارة:
خلال 152 يوماً من الحرب المفتوحة، تمكنت جماعة أنصار الله من إطلاق نحو 70 صاروخاً باليستياً نحو إسرائيل، بمعدل يقارب صاروخاً واحداً كل يومين، إضافة إلى عشرات الطائرات المسيرة التي باتت تشكل عبئاً متزايداً على منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية. وفي المقابل، لم تنفذ إسرائيل سوى 14 غارة جوية على الأراضي اليمنية، أي بمعدل غارة كل 48 يوماً فقط.
هذه الأرقام تكشف عن خلل واضح في ميزان الردع، إذ باتت الجماعة تفرض إيقاعها الميداني وتستنزف قدرات الدفاع الإسرائيلي، في حين يبدو الرد الإسرائيلي محدود الأثر وغير قادر على تغيير قواعد الاشتباك.

تهديدات بلا انعكاس ميداني:
وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، لم يتوقف عن إطلاق تصريحات تهديدية منذ بداية التصعيد، مؤكداً في أكثر من مناسبة أن "الحوثيين سيدفعون فائدة مركبة مقابل كل محاولة إطلاق نار". كما تحدث عن فرض حصار جوي وبحري على اليمن، واستهداف البنية التحتية والطاقة، لكن هذه التصريحات –بحسب مراقبين– تبقى بعيدة عن الواقع العملي.
فالمشهد الميداني يظهر أن أنصار الله مستمرون في الهجوم بوتيرة متصاعدة، دون أن يظهر عليهم تأثر واضح بالضربات الإسرائيلية. بل إن الجماعة تبدو أكثر حرصاً على استثمار التصعيد لإرسال رسائل سياسية، وتعزيز موقعها داخل ما يُعرف بـ"محور المقاومة".

حرب استنزاف غير متكافئة:
من منظور استراتيجي، فإن إسرائيل تجد نفسها منخرطة في حرب استنزاف غير متوازنة. فبينما تنفق تل أبيب مليارات الدولارات لتشغيل منظومات الدفاع الجوي كـ"القبة الحديدية" و"مقلاع داوود" في مواجهة الصواريخ والمسيرات اليمنية، تعتمد الجماعة على وسائل قتالية أقل تكلفة بكثير، لكنها قادرة على إرباك الدفاعات وخلق حالة من الضغط المستمر.
وبهذا المعنى، فإن "الفائدة المركبة" التي يتحدث عنها المسؤولون الإسرائيليون قد تكون في الواقع تُدفع من قبل إسرائيل نفسها، عبر استنزاف مواردها العسكرية والاقتصادية، دون أن تحقق نتائج ملموسة في ردع الحوثيين.

الرسائل السياسية اليمنية:
بعيداً عن الجانب العسكري، يواصل أنصار الله إرسال رسائل سياسية واضحة. ففي صنعاء، تشهد العاصمة كل يوم جمعة مظاهرات حاشدة مناهضة لإسرائيل، ما يعكس قدرة الجماعة على استثمار الصراع لتكريس حضورها الشعبي والإعلامي.
كما أن استمرار الهجمات بات يُعزز من موقع أنصار الله داخل "محور المقاومة" إلى جانب حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، وهو ما يمنحهم شرعية إضافية على المستويين الإقليمي والدولي، باعتبارهم جزءاً من معادلة أوسع تتجاوز حدود اليمن.

جدوى التصعيد الإسرائيلي موضع تساؤل:
في مايو الماضي، لوّح وزير الدفاع الإسرائيلي باستهداف قادة المقاومة ليس فقط في اليمن، وإنما أيضاً في غزة وبيروت وطهران. غير أن هذه التهديدات لم تجد طريقها إلى التنفيذ العملي، وهو ما يطرح علامات استفهام حول حدود القدرة الإسرائيلية على التصعيد، ومدى استعدادها لفتح جبهات متعددة في وقت واحد.
فبينما تواصل إسرائيل التركيز على جبهتها الشمالية مع حزب الله، وعلى الداخل الفلسطيني في غزة والضفة، يبدو أنها عاجزة عن إيقاف الهجمات المتكررة من اليمن، الأمر الذي يضعف صورة الردع الإسرائيلي ويزيد من الضغوط السياسية على الحكومة.

إعادة رسم معادلات الاشتباك الإقليمي:
المحصلة أن جماعة أنصار الله باتت لاعباً إقليمياً لا يمكن تجاهله، قادراً على التأثير في معادلات الصراع مع إسرائيل. ومن خلال وتيرة الهجمات، وما تحققه من صدى إعلامي وسياسي، تمكنت الجماعة من فرض نفسها كقوة تساهم في إعادة رسم قواعد الاشتباك في المنطقة.
أما إسرائيل، فهي أمام معضلة حقيقية: فالتصعيد العسكري لم يحقق نتائج ملموسة، والتهديدات المتكررة فقدت تأثيرها، بينما تستمر الاستنزافات الميدانية والاقتصادية. وفي ظل غياب استراتيجية بديلة، قد تجد تل أبيب نفسها مضطرة إلى مراجعة حساباتها، والبحث عن مقاربات جديدة للتعامل مع أنصار الله.

خلاصة:
يمكن القول إن المشهد الراهن يعكس اختلالاً واضحاً في المعادلة العسكرية بين أنصار الله وإسرائيل. فمن الناحية الرقمية، ومن حيث التأثير السياسي والمعنوي، يبدو الأنصار الطرف الأكثر استفادة من استمرار التصعيد. أما إسرائيل، فبينما تواصل دفع فاتورة باهظة في مواجهة صواريخ ومسيرات منخفضة التكلفة، فإنها تفشل حتى الآن في تحقيق هدفها المركزي: ردع أنصار الله ومنعهم من التأثير في أمنها القومي.
وبينما تزداد التساؤلات حول مدى جدوى هذا المسار، يبدو أن ما يجري ليس مجرد مواجهة عابرة، بل بداية لتحول استراتيجي يعيد تشكيل موازين القوى في الإقليم، ويمنح أنصار الله موقعاً متقدماً في مشهد المقاومة ضد إسرائيل.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا