ليس تحليلاً سياسياً ولا ترفاً فكرياً أن نقول إن إسرائيل لا تكتفي بما تحتله الآن، بل تعمل بخطى حثيثة على تنفيذ مشروع توسعي قديم - جديد، معروف باسم "إسرائيل الكبرى"، الذي يشمل الأراضي الممتدة من نهر النيل إلى نهر الفرات. هذه ليست مجرد شعارات أو إشاعات، بل تصريحات واضحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يخفِ مطامعه، بل يكرر مراراً أن الأمن القومي الإسرائيلي لا يُمكن أن يتحقق إلا بسيطرة إقليمية تمتد إلى الدول المجاورة لفلسطين، وأولها مصر والأردن وسوريا ولبنان.
ومن أمثلة التواطؤ العربي مع إسرائيل ودعمها، أنه في وقت أعلنت دول مثل النرويج مقاطعتها الاقتصادية لإسرائيل، عقدت مصر، التي يُفترض أنها الشقيقة الكبرى لفلسطين، أكبر صفقة غاز في تاريخها مع الاحتلال الإسرائيلي، بقيمة 35 مليار دولار، لتشتري الغاز من حقل "ليفياثان" الواقع في المياه الفلسطينية المنهوبة، وهذه الصفقة ليست مجرد اتفاق تجاري، بل هي تواطؤ فعلي مع الاحتلال، وضمان استراتيجي لأمنه الاقتصادي، بل تمويل غير مباشر لآلة حربه التي تقتل أطفال ونساء فلسطين.
أي تبرير يمكن أن يغسل هذه الجريمة؟ هل يُعقل أن تتحول مصر مما كانت تسمى بقلب العروبة النابض إلى شريان يضخ المال للاحتلال؟ وأين موقعها من خريطة "إسرائيل الكبرى" التي أعلنها نتنياهو؟ إنها لا تقف فقط على الحافة، بل تندفع بإرادتها إلى داخل هذه الخريطة.
أما السعودية، فتبدو مشاركتها أخطر، ليس لأنها تملك نفوذاً مالياً فقط، بل لأنها بدأت في نقل السلاح إلى إسرائيل. فالسفينة السعودية "بحري ينبع"، التي انطلقت من ميناء سعودي، وصلت إلى ميناء جنوة في إيطاليا لنقل شحنة متجهة إلى إسرائيل. هذه ليست تجارة، بل شراكة عسكرية في جريمة إبادة، والمفارقة أن السفينة أثارت احتجاجات عمالية أوروبية، في حين لم يتحدث مسؤول عربي بكلمة، وكأن دعم إسرائيل بات سياسة عربية رسمية لا تُناقش.
حول هذه التناقضات والمواقف العربية المخزية، طرح قائد أنصار الله، عبد الملك الحوثي، في خطابه الأخير سؤالاً يلخّص حجم المأساة: "أين مواقف الجامعة العربية مقابل مواقف بعض الدول الأجنبية في مقاطعة العدو؟". في الحقيقة، الجامعة العربية ليست فقط غائبة، بل يبدو أنها تحوّلت إلى مؤسسة بيروقراطية عاجزة عن حتى إصدار بيان إدانة متماسك، بينما تتحرك حكومات غربية بمواقف إنسانية، وإن كانت محدودة.
في ظل هذا الانهيار الرسمي، لا يبقى للشعوب إلا طريق واحد: أن تُدرك أن معركتها ليست فقط من أجل فلسطين، بل من أجل وجودها ذاته، إن مشروع "إسرائيل الكبرى" يهدد كل من يطبّع أو يتواطأ أو يصمت، ولا نجاة من هذا المشروع إلا بالموقف، ثم الجهاد بمفهومه الشامل: مقاومة، ومقاطعة، وتعبئة، وتحرك في كل المجالات.