وشهدت مناطق سيطرة الحكومة الموالية للتحالف على مدى أكثر من خمس سنوات انهياراً متواصلاً للعملة، دون أن تنجح في وضع حد له، وظل الفشل مسيطرا على أدائها في إدارة الملف الاقتصادي، بل إن أداءها خلال هذه السنوات ظل محط انتقاد واسع النطاق من قبل الخبراء والمراقبين، وهنا يفصح السؤال عن نفسه قائلا: كيف يمكن لحكومة فشلت في تحقيق أي استقرار اقتصادي أن تُنسب إليها فجأة تحسن ملحوظ في سعر الصرف؟ ولنا أن نتخيل نوعية الإجابة على هذا السؤال، والتي ستكون سلبية في كل الأحوال، مادامت أسباب هذا التحسن الطارئ والفجائي مجهولة، فيما أسباب الانهيار لا تزال قائمة.
ويؤكد المحللون والخبراء الاقتصاديون أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، مثل إغلاق العشرات من شركات ومنشآت الصرافة التي تتهمها بالمضاربة بالعملة، أو تشكيل "لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد"، هي مجرد إجراءات شكلية وسطحية لا ترقى إلى مستوى التحديات الاقتصادية الرئيسية والتي كانت هي السبب في الانهيار الاقتصادي المريع الذي كان تهاوي سعر صرف العملة جزءا من انعكاساته. الأمر الذي ينفي المزاعم التي تنسب التحسن إلى هذه الإجراءات التي لم تعالج المصادر الأساسية للازمة.
وفيما اقتصرت الإجراءات والمعالجات الحكومية على الأسباب الثانوية كالحد من أنشطة شركات الصرافة، وتشكيل "لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد"، فإن أبرز المعالجات التي كان يمكن الوثوق بها لوقف التدهور الاقتصادي المستمر هو الوصول إلى صيغة اتفاق مع صنعاء تضمن إعادة تصدير النفط، والذي كان يشكل ما نسبته 90% من الإيرادات الحكومية بالعملة الصعبة، أو إيجاد بدائل لتعويض هذا النقص الهائل في الإيرادات. إن أي اقتصاد يفقد 90% من موارده لا يمكن أن يشهد تحسناً حقيقياً في عملته الوطنية، بل على العكس، من الطبيعي أن ينهار بشكل متواصل. وهذا ما حدث بالفعل، مما يؤكد أن التحسن الحالي ليس نابعاً تحسن اقتصادي.
ولم يكن من ضمن الإجراءات التي قامت بها الحكومة ما يشير إلى مكافحة الفساد المتجذر في أروقتها منذ سنوات، والذي كان سببا في التهام إيرادات الدولة بما فيها عائدات النفط والغاز والإيرادات المحلية لسنوات، بالإضافة إلى أي دعم خارجي كما لم تقدم أي معالجة لمشكلة تشرذم الإيرادات العامة، حيث يستحوذ كل مكون من مكونات هذه الحكومة على الموارد المحلية في مناطق سيطرته دون أن تؤول إلى الخزينة العامة. ففي مأرب، يستأثر حزب الإصلاح بإيرادات النفط والغاز وبقية الإيرادات، وفي عدن والمحافظات المجاورة، يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على الموارد المحلية، بينما تحاول السلطة المحلية في حضرموت الاستقلال بمواردها، فيما تستمر حالة الصراع بين هذه المكونات للسيطرة على الموارد، واستغلال غياب الرقابة والشفافية، وهو ما يُعد أحد أبرز أسباب الانهيار الاقتصادي، ويُثبت أن الحكومة التي لم تستطع توحيد إيرادات الدولة، لن يكون بمقدورها تحقيق أي إنجاز اقتصادي يُذكر.
ووفقا لذلك فإن الأسباب الحقيقية وراء هذا التحسن يجب البحث عنها خارج نطاق قرارات الحكومة الشرعية، حيث يشير محللون اقتصاديون وسياسيون إلى أن هذا التحسن كان نتيجة قرار سياسي من قوى إقليمية ودولية لها نفوذ كبير على الحكومة الشرعية. وخاصة الولايات المتحدة ودول التحالف، "السعودية والإمارات"، التي لها تدخلات واسعة في الشأن اليمني، والتي قد يكون ضمن أجندتها في اليمن خلال هذه الفترة خلق استقرار مؤقت لسعر الصرف، لأهداف سياسية بحتة.
ومن خلال ما سبق، فإنه يمكن الخلوص إلى حقيقة مفادها أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الموالية للتحالف، في ملف سعر صرف العملة، وإن كانت قد تؤدي إلى تحسن لحظي ومؤقت، إلا أنها لا تعالج المشكلة الأساسية وهي غياب الإيرادات الحكومية وتشرذم المؤسسات. الأمر الذي يجعل هذا التحسن غير مستدام، حيث يذهب المحللون إلى أنه بمجرد زوال الظرف السياسي الذي فرض هذا التحسن، أو فشل الأهداف السياسية المرتبطة به، ستعاود العملة اليمنية الانهيار مجدداً، وربما بصورة أكبر وأسرع من السابق، لأن الأسباب الحقيقية للأزمة لا تزال قائمة وربما قد تفاقمت، وبذلك فإن هذا التحسن، في نهاية المطاف، ليس إلا وهماً اقتصادياً تم خلقه لأهداف سياسية مؤقتة، ولا يعكس أي تحسن حقيقي في بنية الاقتصاد المتردي.