ـ تعاون سعودي - إسرائيلي في البحر الأحمر؟:
بحسب ما كشفت عنه صحيفة "الأخبار" اللبنانية، المقربة من حزب الله، فإن جماعة أنصار الله تلقت تقارير استخباراتية تشير إلى أن السعودية تلعب دورًا في تسهيل تحركات إسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما اعتُبر تجاوزًا خطيرًا وخيانة مزدوجة، لا تمس فقط السيادة اليمنية، بل تعكس أيضًا اصطفافًا واضحًا إلى جانب عدو لطالما اعتُبر مشتركًا في وجدان الشعوب العربية.
ووفقًا للصحيفة، فإن هذه التحركات تأتي في إطار تنسيق استخباراتي وعسكري إقليمي، تستفيد منه إسرائيل ضمن استراتيجية توسّعها في البحر الأحمر، بذريعة تأمين الملاحة، لكن بأهداف تتجاوز ذلك إلى فرض وقائع جيوسياسية جديدة.
ـ الحوثي يكسر صمته ويهاجم الرياض:
في خطاب ناري، شنّ زعيم جماعة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، هجومًا مباشراً على المملكة العربية السعودية، في سابقة لافتة منذ بدء التهدئة غير المعلنة بين الجانبين في أبريل 2022. الحوثي، الذي عادة ما يتجنب ذكر المملكة بشكل صريح، خرج عن هذا الأسلوب متهماً إياها بالتعاون مع إسرائيل في مخططات تهدف إلى زعزعة الاستقرار في اليمن.
الخطاب تضمن تحذيرًا صريحًا من "عدوان استخباراتي وعسكري"، في إشارة واضحة إلى التقارير التي تحدثت عن وجود غرف عمليات مشتركة في البحر الأحمر، وتنسيق تقني وأمني متقدم بين الرياض وتل أبيب.
ـ التهدئة: مناورة أم خيار استراتيجي؟:
منذ أكثر من عامين، اعتمدت السعودية على سياسة "التهدئة" مع جماعة الحوثي، وقدّمتها باعتبارها خيارًا استراتيجيًا للخروج من مستنقع الحرب اليمنية. لكن المستجدات الأخيرة تطرح علامات استفهام حول مدى جدية هذه التهدئة، وهل كانت بالفعل تحولًا في الرؤية السعودية تجاه اليمن، أم مجرد مناورة تكتيكية بغطاء سياسي؟.
تصريحات الحوثي الأخيرة تشي بأن قوات صنعاء لم تعد تنظر إلى التهدئة على أنها ضمانة، بل تعتبرها واجهة هشة لا تُخفي النوايا السعودية الحقيقية. كما أن صمت الرياض على التصريحات الإسرائيلية بالاستعداد لضرب صنعاء يعزّز هذا الانطباع، ويعطي انطباعًا بأنها تتقاطع مصالحها مع الاحتلال الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى.
ـ القضية الفلسطينية: أولوية تتآكل:
خلال السنوات الماضية، وخصوصًا في ظل ما يُعرف بـ"صفقة القرن" ومسار التطبيع العربي، بدأت السعودية بالتحوّل التدريجي من الدعم العلني للقضية الفلسطينية إلى موقف أكثر غموضًا وازدواجية.
وتأتي الأنباء عن تعاونها مع إسرائيل في هذه المرحلة الحساسة لتؤكد التوجّه نحو اصطفاف سياسي وأمني جديد، بعيد كل البعد عن شعارات الدعم والتضامن.
الموقف السعودي الحالي، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، لم يرقَ لمستوى التضامن الحقيقي أو اتخاذ إجراءات حاسمة، وهو ما فُسّر في بعض الأوساط العربية كنوع من الخذلان أو حتى التواطؤ.
ـ انكشاف الخطاب السعودي:
في الوقت الذي تحاول فيه الرياض تصدير صورة الدولة الراعية للاستقرار والوساطة، تبرز هذه الاتهامات من اليمن لتكشف تناقضات حادة في الخطاب والممارسة.
فكيف يمكن أن تسعى المملكة لتقريب وجهات النظر في الإقليم، وهي في الوقت نفسه تُتهم بتسهيل الوجود العسكري الإسرائيلي قرب السواحل اليمنية، وبالسكوت عن تهديدات ضرب صنعاء؟.
الأخطر من ذلك، أن كل هذه التحركات تأتي وسط صمت رسمي سعودي، ما يثير تساؤلات حقيقية عن نوايا المملكة وأجندتها الحقيقية في المنطقة.
ـ خلاصة:
المؤشرات تتزايد على أن السعودية باتت تسير في مسار يتناقض مع المصالح العربية المركزية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
أما تهدئتها مع الحوثيين، فتبدو اليوم أقرب إلى تكتيك مؤقت يُوظّف لخدمة أولويات سياسية وأمنية ظرفية، لا رؤية استراتيجية حقيقية للسلام في اليمن أو دعم صادق لقضايا الأمة.
في ظل هذا المشهد، تبدو الحاجة ملحّة إلى إعادة تقييم المواقف، وكشف الحقائق، ووضع حد لتناقضات تتزايد تكلفتها السياسية والإنسانية يومًا بعد يوم.