آخر الأخبار

حين تتراجع واشنطن.. كيف قلب اليمن معادلة السيطرة في البحر الأحمر؟

شارك

وبحسب مصادر بحرية متقاطعة، فإن البحر الأحمر يشهد اليوم سابقة لم تحدث منذ عقود، مع خلوه التام من أي تواجد بحري أمريكي معلن، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرا صريحا على فشل استراتيجية الردع التي تبنتها واشنطن منذ بدء المواجهة البحرية المفتوحة أواخر 2023.

ـ من غزة إلى المضيق: الشرارة الأولى:

تعود بداية التصعيد اليمني في البحر الأحمر إلى خريف عام 2023، حين أعلنت صنعاء رسميا استهداف السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها، ردا على العملية البرية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة. توسع الخطاب السياسي لقوات صنعاء آنذاك ليشمل السفن الأمريكية والبريطانية، ثم كل السفن التابعة لدول “تشارك أو تدعم العدوان على غزة”.

ومنذ ذلك الإعلان، بدأت عمليات الاستهداف البحري تتطور من تهديدات إعلامية إلى تنفيذ عملي، عبر طائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة استهدفت سفنًا في مناطق واسعة من جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وحتى بحر العرب.

ـ ضربات موجعة وتراجع أمريكي:

في يناير 2024، دشنت الولايات المتحدة ومعها عدد من الدول الأوروبية عملية عسكرية تحت مسمى "حارس الرخاء"، استهدفت ما قالت إنها مواقع عسكرية في اليمن تستخدم لإطلاق الهجمات على السفن. إلا أن هذه العمليات لم تنجح في وقف أو حتى تقليص وتيرة النشاط اليمني، بل دفعت به نحو تصعيد نوعي تمثل في استهداف مباشر لسفن أمريكية وتوعد بردود موجعة.

ووفق ما نشرته وكالة "USNI News" المتخصصة في الشؤون البحرية، فإن الولايات المتحدة تلقت ضربات موجعة على المستويين العسكري والاستراتيجي، دفعتها إلى تقليص وجودها بشكل كبير، ثم إلى الانسحاب شبه الكامل من البحر الأحمر، في خطوة فسرها مراقبون على أنها اعتراف ضمني بفشل خيار الحسم العسكري.

في السياق نفسه، أظهرت صور أقمار صناعية ومعلومات تتبع الملاحة التجارية انخفاضا ملحوظا في عدد السفن العابرة من مناطق سيطرة صنعاء. هذا التراجع لا يعكس فقط نجاح العمليات اليمنية في خلق “منطقة حظر غير معلنة”، بل أيضا حجم تأثير هذه العمليات على الاقتصاد البحري العالمي.

ـ الاتحاد الأوروبي عاجز:

الفشل لم يكن أمريكيا فقط، إذ أكدت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في تقرير سابق أن الاتحاد الأوروبي فشل في تأمين الممرات البحرية الواقعة ضمن منطقة سيطرة صنعاء. وكشفت المجلة أن حركة السفن في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر انخفضت بنسبة 60%، ما يشير إلى حجم الرعب الذي تسببه التهديدات اليمنية لشركات النقل والتأمين البحري.

المفارقة أن أوروبا، التي تعهدت في بداية 2024 بإرسال سفن حربية لحماية المصالح البحرية الغربية، باتت تواجه هي الأخرى تحديات داخلية تتعلق بالكلفة الاقتصادية واللوجستية لهذه المهمة، فضلا عن محدودية قدرتها على الردع في مواجهة أساليب عسكرية غير تقليدية، مثل الهجمات بالطائرات المسيّرة والضربات الصاروخية البعيدة المدى.

ـ تصعيد نوعي ومستمر:

في تطور لافت، أعلنت قوات صنعاء مؤخرا تنفيذ عمليات جديدة تمثلت في إغراق سفينتي شحن جاف، واستهداف سفن إسرائيلية بصواريخ بحرية في البحر العربي، وهو تصعيد يشير إلى امتداد رقعة الاشتباك البحري خارج النطاق الجغرافي التقليدي للبحر الأحمر، في رسالة مفادها أن أي مياه قريبة من اليمن قد تكون ساحة اشتباك محتملة.

ولم يقتصر التصعيد على الأهداف البحرية فقط، إذ أكدت صنعاء مؤخرا تنفيذ هجوم صاروخي جديد على الأراضي المحتلة في فلسطين، ضمن ما تصفه بأنه “رد طبيعي على جرائم إسرائيل في غزة”. ويعكس هذا التوسع في الخيارات العملياتية قدرة صنعاء على تنويع الردود والتأثير في أكثر من جبهة.

ـ صنعاء في موقع المبادرة:

التطورات الجارية تشير بوضوح إلى أن صنعاء لم تعد في موقع رد الفعل، بل باتت الطرف الممسك بزمام المبادرة في معركة الملاحة. وبينما يتراجع الحضور الأمريكي والغربي من سواحل البحر الأحمر، تتوسع السلطة اليمنية على هذا الشريان الحيوي الذي يمر عبره نحو 12% من التجارة العالمية.

ومع غياب أي مؤشرات على تغيير جذري في موازين القوة، يبقى البحر الأحمر شاهدا على فشل غير مسبوق لقوى كبرى في احتواء تهديد صادر من أحد أفقر بلدان العالم، لكنه الأكثر تصميما – حتى الآن – على فرض قواعد اشتباك جديدة... وباللغة التي يختارها هو.


* نقلا عن عرب جورنال


الأكثر تداولا اسرائيل حماس أمريكا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا