تحوّل الهجوم إلى انتصار وهمي
بينما حلقت القاذفات الأمريكية B-2 في سماء إيران واعدةً بـ"ضربة ساحقة"، جاءت النتائج أقل من المتوقع بكثير. لم تُمس البنية التحتية النووية الحيوية لطهران، وخرجت إيران من الهجوم أكثر إصراراً، بل وبتعاطف دولي من الجنوب العالمي وأوراسيا، وحتى من بعض الأوساط الأوروبية المترددة في الانجرار إلى مغامرات واشنطن الجديدة.
ما بعد الضربة
ما كشفه ميدفيديف لم يكن فقط تحليلاً ساخراً لتخبّط الغرب، بل كان تصريحاً ضمنياًـ وربما مبرمجاًـ بأن روسيا وحلفاءها قد لا يمانعون في كسر احتكار الردع النووي، من خلال تسهيل امتلاك طهران لرؤوس نووية "عبر طرف ثالث". هذا التصريح، غير المسبوق في وضوحه، يزلزل العقيدة الغربية التي بنت حساباتها الأمنية على بقاء إسرائيل وحدها كقوة نووية في الشرق الأوسط، حسب مقال تحليلي للكاتب جيري نولان، رئيس تحرير صحيفة "ذا آيسلاندر".
ترامب و"نهاية وهم السلام"
في لحظة سخرية قاتلة، خاطب ميدفيديف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقول: "يا لها من بداية رائعة، سيدي الرئيس!"، في إشارة واضحة إلى انقلاب الدور من "رئيس السلام" إلى المحرك الفعلي لتسعير الجبهات، ومع اقتراب واشنطن من مستنقع حرب برية جديدة، تتبخر أحلام الحصول على جائزة نوبل وتتفكك خطابات "أمريكا أولاً" لصالح تحالفات لا ترى سوى القوة خياراً وحيداً.
اليمن كمؤشر لعجز الغرب
أعاد نولان التذكير بأن النموذج اليمني كان المؤشر المبكر لفشل نظرية "الحسم بالقوة"، حيث لم يضعفه القصف الأمريكي المتواصل، بل تحولت سنوات القصف إلى عبء سياسي وعسكري على التحالفات الغربية، وانتهت بدعوات تفاوض يائسة. فماذا عن إيران، الدولة الأكبر، والأكثر تسليحاً، وتحالفاً؟ إذا كانت واشنطن فشلت في اليمن، فكيف ستكسب معركة مع قوة إقليمية عظمى متحالفة مع موسكو وبكين؟
نهاية الحصرية النووية: العالم يتغير
يرى نولان أن الغموض "المقصود" في تصريح ميدفيديف عن نقل رؤوس نووية إلى إيران ليس سوى جزء من لعبة كبرى لإعادة رسم خريطة النفوذ، حيث لم تعد واشنطن وتل أبيب وحدهما من تملكان قواعد الردع، بل باتت موسكو وطهران وبكين قوى فاعلة في صياغة توازن جديد يتجاوز المؤسسات الغربية، وينسجم مع صعود الجنوب العالمي ورفضه للهيمنة الأحادية.
تل أبيب في قلب العاصفة
يتزامن هذا التغير مع حالة ضعف غير مسبوقة في الجبهة الإسرائيلية، إذ تؤكد التقارير أن الضربات الإيرانية الدقيقة ضمن عملية الوعد الصادق 3 كشفت هشاشة منظومات الدفاع الإسرائيلية، وهشاشة الهيبة التي اعتمدت لعقود على الردع النووي غير المعلن.
الرسالة: التعددية القطبية أصبحت أمراً واقعاً
المفارقة أن التصعيد الأمريكي، والذي هدف إلى تثبيت التفوق الاستراتيجي، قد ساهم في تسريع انهياره، حيث أطلقت واشنطن رصاصة الرحمة على وهم الهيمنة، وأجبرت خصومها على التكاتف، ليس فقط عسكرياً، بل نووياً واستراتيجياً.
ميدفيديف لم يُعلن بداية عصر جديد، بل وصف نهايته بدقة جراح:
الكابوس النووي للإمبراطورية قد بدأ، وواشنطن هي من أوقد شرارته.
خلاصة القول: لم تعد واشنطن وحدها هي التي تقرر من يمتلك القوة النووية، ولا يمكنها بعد الآن تجاهل المعادلات الجديدة، فهناك الآن تحول جذري، حيث تتراجع الإمبراطورية تحت ضربات الجغرافيا والسياسة والتكنولوجيا والتحالفات، فيما يتقدم نظام عالمي جديد على وقع أصوات الانفجارات والصمت الروسي البارد.