صمت عربي مريب
وفيما أعلنت كل من مصر والأردن رفضا مبدئيا لطلب ترامب منهما استقبال اللاجئين الفلسطينيين الذين يتضمن المخطط تهجيرهم من الضفة والقطاع، كوجهتين رئيسيتين، ولن يعدم إيجاد وجهات أخرى ثانوية، فإن الدول والأنظمة العربية تلتزم الصمت، تجاه هذا المخطط الذي يتضمن في جوهره من ناحية تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي كهدف مرحلي، واقتلاع شعب كامل من جذوره، وتهويد كامل الخارطة الفلسطينية، ومن ناحية أخرى إشعال فتيل الصراع في المنطقة وإسقاط أنظمة ودول في أتون الفوضى والاقتتال الداخلي، لتكون هدفا لمرحلة تالية من الاحتلال، وفقا لمخطط إسرائيل الكبرى، "من النيل إلى الفرات".
وبالنظر إلى الصمت العربي إزاء دعوات ترامب ومساعيه تلك لتهجير أكثر من 5 ملايين فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن سؤالا يلح حول الدول التي تشترط حل الدولتين مقابل التطبيع، والسؤال هو: في حال تم لترامب وإسرائيل مخطط التهجير للفلسطينيين، فما مصير شرط "حل الدولتين مقابل التطبيع"؟!
حدود وأبعاد المخطط
وبالريط بين تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حول خطة التهجير للفلسطينيين ومساعيه وتواصلاته مع كل من الملك الأردني عبدالله بن الحسين، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبين تصريحات له خلال حملته الانتخابية أواخر العام الماضي، والتي تطرق فيها إلى الحديث عن الوضع الراهن في فلسطين، والتهديدات التي تواجهها إسرائيل خلال العدوان على غزة والمواجهات مع حزب الله في الشمال، والهجمات المساندة من اليمن والعراق، حيث تحدث عن ضمان أمن إسرائيل، كأولوية لأمريكا، كما قام باستعراض خارطة للمنطقة، وتحدث صراحة بأن مساحة إسرائيل صغيرة جدا، ويجب أن تكون أكبر مما هي عليه بكثير، تتضح بشكل جلي أبعاد المخطط الذي لن يتوقف عند حدود فلسطين التي يراد لها أن تكون خالصة لليهود، بل إن الدول المحيطة بها لن تكون حينها في مأمن من الأطماع الإسرائيلية الغربية القديمة الجديدة.
دوافع الرفض المصري الأردني
الرفض المصري والأردني لدعوات ترامب لهما لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين من الضفة وقطاع غزة، له العديد من الدوافع، والمخاوف الناتجة عنه لدى النظامين، حيث أن مرور هذا المخطط سيمثل تهديدا حقيقيا لهما على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد يجر على البلدين الكثير من المشاكل التي من شأنها أن تقود إلى صراعات وأزمات داخلية، قد تنزلق بسببها الدولتان نحو سقوط الدولة والدخول في مستنقع الفوضى والحروب الأهلية في أسوأ الاحتمالات، وهو ما سيمهد الطريق أمام أي أطماع إسرائيلية غربية لاحتلال أجزاء من الدولتين.
الأردن وشبح أيلول الأسود
فمن ناحية الأردن فإن النظام المثقل بالاتهامات بالخيانة والعمالة والتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي منذ بداية احتلال الأراضي الفلسطينية يدرك تماما أن أي قبول بهذا المخطط قد يؤجج الشعب ضده، وقد يقود إلى ثورة قد تطيح به، خاصة بعد الموقف المتخاذل من العدوان على غزة ومنع أي تحرك شعبي في الأردن مناصر لغزة، فضلا عن انخراط النظام الأردني في الدفاع عن إسرائيل سواء في اعتراض الصواريخ التي أطلقت من إيران واليمن والعراق، أو بفتح الأراضي الأردنية أمام الطريق البري الذي أنشئ بين الإمارات وإسرائيل، مرورا عبر الأراضي السعودية والأردنية، بهدف كسر الحصار عن البحري الذي فرضته حكومة صنعاء على الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي.
وعلاوة على ذلك فإن ذكرى أحداث أيلول الأسود 1970 عالقة في الأذهان، وما شهدته هذه الأحداث من أنهار الدماء التي سفكت خلال عشرة أيام من المواجهات الدموية بين الجيش الأردني منظمات التحرير الفلسطينية وما تعرض له النظام الأردني حينها من تهديد حقيقي لوجوده، وإذا ما أخذ في الاعتبار أن أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني يعيشون في الأردن، فإن إضافة 2.9 مليون هم سكان الضفة الغربية إليهم، وفقا لما يقتضيه مخطط التهجير الذي صرح به ترامب سيمثل عبئا كبيرا على الدولة الأردنية، على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والديموغرافية، ولن يكون في صالح النظام الأردني القبول به، مهما كانت الضمانات التي يمكن أن تقدم له من قبل الداعمين للمخطط وعلى رأسهم بريطانيا التي يرتبط بها النظام الأردني ارتباطا تاريخيا، وكذا أمريكا التي ستحاول استمالة النظام بزيادة المساعدات السنوية التي تقدمها له في ظل الوضع الاقتصادي المتردي.
أسقاط مصر في مستنقع الفوضى
ومن جهة مصر فان الأمر لا يختلف عما هو عليه في الأردن من حيث الرفض الشعبي لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، ولا سيما والموقف السلبي للنظام المصري خلال 14 شهرا من العدوان الإسرائيلي على غزة لا يختلف كثيرا عن موقف النظام الأردني، ومع أن مخاوف الأخير تبدو أكبر من إنفاذ مخطط التهجير، نظرا لوجود ملايين الفلسطينيين على أراضي المملكة، فإن المخاوف لدى النظام المصري لا تقل عنها، لأن قنبلة الإخوان المسلمين ستكون حاضرة في المشهد، ويكون موافقة النظام المصري على مخطط التهجير بمثابة إشعال لفتيلها، حيث سيستغل مكون الإخوان المسلمين وخلاياه النائمة انخراط السيسي في هذا المخطط، ويقومون بتأجيج الشارع المصري المناصر للقضية الفلسطينية، وقد يكون احتمال تحريك الشارع لإسقاط نظام السيسي وإدخال مصر في حالة من الصراع والفوضى سيناريوها واردا جدا.
وعلاوة على ذلك، فإنه في حال استقبال مصر لقرابة مليوني لاجئ من سكان قطاع غزة بما فيهم عشرات الآلاف من عناصر حركة حماس المتشبعة بفكر الجهاد والمقاومة، والتي ستتخذ من شمال سيناء قاعدة لها بالقرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولن يكون مستبعدا في هذه الحالة تكرار طوفان السابع من أكتوبر 2023، والذي سيكون حينها ذريعة لإعلان الحرب على مصر، وإسقاطا لكل الاتفاقيات بين مصر وإسرائيل.
العصا والجزرة
وفي مقابل الرفض المصري والأردني لدعوات ترامب لهما للقبول باستقبال ملايين اللاجئين الفلسطينيين، فإن الإدارة الأمريكية قد تتخذ سياسة الترغيب والترهيب، أو ما يعرف بـ "سياسة العصا والجزرة" ولعل الورقة الاقتصادية هي أبرز الأوراق التي ستلعبها واشنطن في هذا السياق، حيث أن المساعدات الاقتصادية التي تقدمها للبلدين يمكن أن تكون أداة للمساومة، إما ترغيبا عبر التعهد بزيادة ومضاعفة هذه المساعدات كحافز على قبول الصفقة، أو ترهيبا عبر إيقافها، وربما التهديد بالاتجاه إلى حرب اقتصادية ضد البلدين اللذين يعاني اقتصاداهما أزمات كبيرة، وإن كانت هذه الأزمات أشد وأخطر بالنسبة للاقتصاد المصري المثقل بالديون والقروض التي استنفدت آجالها، وتوشك على التهام القطاعات الاقتصادية المصرية الحكومية والعامة.
ورغم أن في حال قامت أمريكا بالتهديد بقطع المساعدات التي تقدمها لمصر والأردن، لن يكون مجديا في المساومة، نظرا إلى التبعات والتداعيات التي قد تنتج عن القبول باستقبال أكثر من 5 ملايين فلسطيني، فإن التهديد باستخدام ورقة الديون وخاصة بالنسبة لمصر، قد يفتح بابا للمساومة، وفي كلا الحالتين فإن الصفقة ستكون مجحفة بالنسبة لمصر على كافة المستويات.