وبهذا الخصوص نشرت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية مقالة للكاتب نيفيل تيلر، حاول من خلالها رسم صورة للعدالة والإدماج لأكراد سوريا عقب سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لكن ذلك من وجهة نظر مراقبين ليس سوى اختزال لواقع وحشي ومعقد، يكرس بقاء الأكراد كبيادق على رقعة شطرنج يمكن التضحية بها لحماية مصالح الملك، والملك هنا قد يكون نتنياهو أو الولايات المتحدة أو إردوغان.
ويرى مراقبون أن ما اقترحه الكاتب تيلر في مقاله الذي نشرته الصحيفة الإسرائيلية بإنشاء منطقة مستقلة للأكراد، في ظل دستور سوري جديد، يعتبر تضليلاً متعمداً، لأن الحقيقة التاريخية المعروفة تقول إن تركيا هي المتحكمة في هذا، وموافقتها ستكون شرطاً أساسياً لمنح الأكراد حكماً ذاتياً، وهو ما ينفيه إردوغان بشكل مستمر، ولكي لا يحدث ذلك تحرص تركيا منذ سنوات على التوغلات العسكرية في مناطقهم وقمعهم بشكل متوحش.
وما تسمى المناطق الآمنة التي أنشأتها تركيا في شمال سوريا هي في الواقع مقدمات للضم والإلحاق بالبنية الأساسية لأنقرة والحكم، وهي مشروع هندسة ديموغرافية قسرية شردت مئات الآلاف من الأكراد، وما يتحدث عنه إردوغان باستمرار بشأن الشمولية هو حديث فارغ وأشبه بالوعود الغربية للأكراد عقب الحرب العالمية الأولى.
وتعليقاً على المقالة التي نشرتها جيروزاليم بوست، قال الكاتب الأمريكي جيري نولان، إن الصحيفة العبرية تجنبت الخوض في علاقة إسرائيل بالأكراد، كونها علاقة استغلال، ففي الأحيان التي كانت تتعاون فيها القوات الكردية مع الموساد كانت إسرائيل تتخلص باستمرار من الأكراد بمجرد أن يصبحوا غير مفيدين، موضحاً: "لقد تشكلت استقلالية الأكراد الهشة في العراق بالتوازي مع تشكُّل مصالح الاستخبارات الإسرائيلية التي استغلت تطلعات الأكراد إلى الحرية، وأن صمت تل أبيب إزاء حملات إردوغان يتحدث كثيراً عن مكانة حياة الأكراد في الحسابات الصهيونية".
وتابع نولان تعليقه بأن الولايات المتحدة، التي وصفها بالتابع الدائم لإسرائيل، لا تختلف عن هذه الحال، فقد عززت واشنطن خيانتها للأكراد في عام 2019، وتخلت عنهم في عملية نبع السلام التي قادها إردوغان بعد سنوات من التعاون ضد داعش، مضيفاً أن أمريكا استخدمتهم كوقود للمدافع في مستنقع الشرق الأوسط الذي علقت فيه ولا تزال، كما تطرق إلى أن الانتصارات الكردية المفترضة ضد داعش جاءت على حساب خسائر لا حصر لها واستقلالية عابرة وهشة، فالولايات المتحدة، بعد كل شيء، هي التي أعلنت ذات يوم أن أكراد سوريا حلفاء في الحرب ضد التطرف، فقط لتمهد الطريق للتخلي عنهم عندما رفعت تركيا يدها، حسب تعبيره.
وأشار نولان إلى أن مقالة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، مجدت الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، باعتباره نموذجاً للإسلامي المعتدل المستعد للتوسط في إدماج الأكراد، معتبراً ذلك "أمراً مثيراً للسخرية"، موضحاً أن ما وصفها بسوريا الشاملة التي ينادي بها الجولاني "ليست أكثر من ديستوبيا إسلامية تدعمها تركيا، وبشكل غير مباشر إسرائيل والولايات المتحدة"، مؤكداً أن "هيئة تحرير الشام نفسها التي ترهب المسيحيين واليزيديين السوريين لا تعنيها حقوق الأكراد، بل تحرص على إخضاعهم"، مضيفاً أن اعتقاد الأكراد بأنهم سيجدون العدالة تحت حكم الجولاني أشبه بتصديقهم وعد إردوغان بإنشاء منطقة آمنة".
وأكد أن "مأساة الأكراد هي انعكاس للنفاق الإمبراطوري في أفضل حالاته، فقد يلعب إردوغان ونتنياهو دور الأعداء في العلن، لكن خلف الكواليس يتقاسمان صفقات الطاقة، والعداء المشترك تجاه الأسد، والمصلحة الشخصية في السيطرة على المشهد السوري الممزق، لكن الأكراد هم الذين وقعوا في فخ هذه الازدواجية، وأصبحوا بلا حلفاء ولا ضمانات ولا وطن".