أثارت حلقة برنامج الاتجاه المعاكس، التي بثتها قناة الجزيرة يوم 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري بعنوان " تونس إلى أين؟"، جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط السياسية التونسية.
وجاءت الحلقة في ظل انقسام تونسي حاد بين داعمي الرئيس قيس سعيّد الذين يرونه رمزا للاستقرار واستعادة القرار الوطني، ومعارضيه الذين يعتبرون إجراءاته منذ 25 يوليو/تموز 2021 انقلابا على الدستور ألقى بالبلاد في المجهول.
الناشط السياسي محمد الهنتاتي اعتبر أن تونس تمر بـ"أفضل مراحل تاريخها المعاصر"، مؤكدا أن البلاد تجاوزت ما وصفها بـ"العشرية السوداء" وأنه لم تعد هناك "فوضى خلاقة"، على حد تعبيره.
وقال الهنتاتي إن تونس تشهد انتخابات نزيهة، إلى جانب جهود حكومية لمحاربة غلاء الأسعار والاحتكار وتحسين القدرة الشرائية للمواطن، معتبرا أن الرئيس قيس سعيّد منتخب ويحظى بدعم شعبي، استدل عليه بمظاهرات خرجت يوم 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري دعمًا له.
في المقابل، رفض الناشط السياسي إلياس الشواشي هذه الرواية، معتبرا أن الهنتاتي "يتحدث عن تونس أخرى غير التي يعرفها التونسيون"، مشيرا إلى أن نسبة النمو الاقتصادي لم تتجاوز 1% خلال فترة حكم سعيّد.
وأضاف الشواشي أن الرئيس التونسي "لا يملك شرعية سياسية" بعد انقلابه على الدستور عام 2021، وفق وصفه، وأنه لم يقدم مشروعا اقتصاديا أو اجتماعيا، في حين ارتفعت نسب الفقر و البطالة، لا سيما في صفوف أصحاب الشهادات العليا.
كما طعن في نزاهة الانتخابات، قائلا إن نسبة المشاركة "لم تتجاوز 7%" وإنها "دُلست برعاية لجنة عيّنها الرئيس نفسه"، متهما سعيّد بالاستدانة من دول مجاورة لدفع أموال لفقراء يتم "حشدهم" للتظاهر دعما له.
وفي خضم هذا الجدل، أكد مصدر مأذون أن رئاسة الجمهورية التونسية، ولا أي جهة رسمية في الدولة، لها علاقة بأي مشاركة أو حضور أو تمثيل في أي قناة أجنبية.
وأوضح المصدر أن "جميع أشكال التحايل أو الادعاء، مهما كان مصدرها، مرفوضة ومفضوحة ومردودة على أصحابها"، مشددا على أنه سيتم اتخاذ "كافة الإجراءات القانونية اللازمة" ضد كل من يتعمّد الإساءة إلى الدولة التونسية داخل البلاد أو خارجها.
وجاء هذا الموقف الرسمي ردا على تصريحات أدلى بها محمد الهنتاتي عقب الحلقة، زعم فيها عبر مقطع فيديو متداول على منصات التواصل أن الرئيس قيس سعيّد اتصل به هاتفيا بعد البرنامج، ووجّه له الشكر وهنأه على مواقفه الداعمة لما وصفه بـ"مسار 25 يوليو/تموز ودستور 2022″.
وقد أشعلت الحلقة موجة واسعة من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بشكل حاد بين مؤيدين للرئيس قيس سعيّد، ومدافعين عن مسار 25 يوليو/تموز، ومعارضين اعتبروا ما قُدم في البرنامج ترويجا لرواية رسمية لا تعكس الواقع المعيشي والاقتصادي في البلاد.
ودافع أنصار سعيّد عن مداخلات الهنتاتي، معتبرين أنها "كشفت حجم التضليل الذي رافق المرحلة السابقة"، ومشيدين بما وصفوها باستعادة الدولة وهيبتها ومحاربة الفساد والاحتكار، في حين تداولوا مقاطع من الحلقة على نطاق واسع دعما لمواقفه.
ورأى مؤيدو الرئيس قيس سعيّد أن مداخلات محمد الهنتاتي عكست "صوت الأغلبية الصامتة"، معتبرين أن ما ورد في الحلقة يعبر عن واقع سياسي جديد أنهى سنوات من "الارتهان والتجاذبات الحزبية"، بحسب تعبيرهم.
كما أكدوا أن الإجراءات الاستثنائية أسهمت في تفكيك شبكات الفساد والحد من الفوضى السياسية، داعين إلى منح السلطة الحالية مزيدًا من الوقت لاستكمال ما وصفوه بمسار الإصلاح واستعادة الثقة في مؤسسات الدولة.
في المقابل، شن معارضون هجوما لاذعًا على تصريحات الهنتاتي، واصفين إياها بـ"المبالغ فيها" و"المنفصلة عن واقع التونسيين"، مؤكدين أن مؤشرات النمو والبطالة والفقر تناقض ما قيل في البرنامج، ومتهمين السلطة باستخدام الإعلام لتلميع صورتها.
كما أثارت تصريحات الهنتاتي بشأن اتصال الرئيس به موجة تشكيك وسخرية، دفعت العديد من النشطاء إلى المطالبة بتوضيح رسمي، وفتحت نقاشا أوسع حول علاقة السلطة بالإعلام الخارجي وحدود التمثيل السياسي في البرامج الدولية.
وذهب بعض النشطاء إلى اعتبار هذه التصريحات محاولة لـ"إضفاء شرعية سياسية" على المشاركة في البرنامج، مطالبين بمحاسبة كل من يزعم التحدث باسم الدولة أو مؤسساتها دون تفويض رسمي.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة