آخر الأخبار

انعكاسات الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني على وضع يهود المغرب

شارك
مصلون يهود في المقبرة اليهودية بمكناس، 2022صورة من: Fadel Senna/AFP

يقع المتحف اليهودي الوحيد المعروف في العالم العربي في حي سكني بشكل غير واضح في العاصمة الاقتصادية المغربية، الدار البيضاء ، ويحرسه جندي وحيد. ويعرض المتحف صورًا بالأبيض والأسود للحياة اليهودية في المغرب في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. ونشاهد في الصور حِرفيين أثناء عملهم، واحتفالات، وحياة أسرية. وتوجد في خزائن العرض الزجاجية لفائف من التوراة وملابس وبعض المخطوطات القديمة. وهذه الآثار من زمن كانت ما تزال توجد فيه جالية يهودية كبيرة في المغرب .

وعند تأسيس دولة إسرائيل في سنة 1948، كان يعيش في المغرب سبعة ملايين نسمة، وبلغ عدد اليهود في هذا البلد العربي 300 ألف يهودي تقريبًا. وبعد ذلك هاجر معظمهم لأسباب من بينها مذابح معادية لليهود وقعت العام نفسه في مدينتي وجدة وجرادة وقتل فيها أكثر من 40 يهوديًا. ويعيش اليوم في الدولة اليهودية (إسرائيل) نحو مليون إسرائيلي من أصل مغربي. ويتراوح عدد اليهود الباقين في المغرب بين ثلاثة وخمسة آلاف يهودي، يعيش معظمهم في الدار البيضاء. وعلى الرغم من أنَّ اليهود يشكلون أقلية ينخفض عدد أفرادها في المغرب، لكن بعض المعابد اليهودية والمطاعم الكوشر ما تزال تمثل حتى اليوم جزءًا من صورة المدينة في الدار البيضاء.

لافتة في كنيس حاييم بينتو بمدينة الصويرة الساحلية المغربيةصورة من: Claudia Mende

"علاقة خاصة بين المغرب وإسرائيل"

"اليهود جزء أساسي من المجتمع" المغربي، كما قال المؤرخ المغربي جمال عميار لمجلة تيلكيل. وأضاف أنَّهم "خلقوا بذلك علاقة خاصة بين المغرب وإسرائيل". ولكن المغرب واجه صعوبة لفترة طويلة في الاعتراف رسميًا بهذا الطابع المميز. وفقط دستور عام 2011 اعترف بالثقافة اليهودية كجزء من الهوية المغربية، وكذلك باللغة الأمازيغية بتقاليد الأمازيغ، الذين غالبًا ما كان يطلق عليهم في الماضي اسم البربر.

"بالنسبة لنا من الطبيعي أن يعيش اليهود والمسيحيون والمسلمون معًا"، كما قال في حوار مع DW رجل في منتصف الأربعينيات من عمره، اسمه إبراهيم درغا ويعمل سائقًا. وهو مسلم من جبال الريف ، من منطقة مهمشة تقع في شمال المغرب. ويقول إنَّه يعيش مع صديق إسرائيلي في الدار البيضاء، ويؤكد بفخر على أصله الأمازيغي: "نحن المغاربة الأصليون - اليهود والأمازيغ؛ أما العرب فقد جاؤوا لاحقًا فقط".

واليهود الأوائل جاؤوا إلى المغرب في العصور القديمة بعد تدمير الهيكل اليهودي، واختلطوا مع الأمازيغ المحليين. وبعد سقوط الأندلس واستعادة الممالك المسيحية شبه الجزيرة الأيبيرية من المسلمين في نهاية القرن الخامس عشر، لجأ الكثير من يهود إسبانيا إلى المغرب هربًا من الاضطهاد. ومنذ ذلك الحين لم تكن العلاقات دائمًا من دون نزاعات. فقد وقعت أيضًا اعتداءات على اليهود، وصلت إلى حد المذابح في الأربعينيات وكذلك هجمات إرهابية نفذها انتحاريون متطرفون على مؤسسات غربية ويهودية في الدار البيضاء عام 2003 - ومع ذلك فقد تطوّر شيء يشبه التعايش الحي.

مشهد من السوق عام 1946 في حي الملاح، الحي اليهودي بمدينة مراكشصورة من: AFP

توقف السياح الإسرائيليين عن زيارة المغرب

ولكن المجتمع اليهودي في المغرب بات يشعر بعدم الأمان منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يوم هجوم حركة حماس الإسلاموية المسلحة والمُصنّفة كمنظمة إرهابية في ألمانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى. والسياح الإسرائيليون لا يأتون إلى المغرب. وقد تم إلغاء الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين ، والتي كانت موجودة منذ توقيع اتفاقيات أبراهام وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية عام 2022. ومنذ اتفاقيات التطبيع، كان المغرب مرغوبًا لدى الإسرائيليين. فقد زار نحو 200 ألف سائح إسرائيلي المملكة المغربية في عام واحد.

والمجتمع اليهودي اليوم مشتت بين نارين: وطنه المغربي وهويته اليهودية. لم تقع حتى الآن اعتداءات موثّقة على مواطنين يهود في المغرب، ولكن مع ذلك فقد كتب شخص ما "الموت لليهود" على جدار مطعم كوشر في الدار البيضاء. وبعض اليهود في المغرب يشعرون بالخوف، بينما يؤكد آخرون على أنَّ اليهود يعيشون في المغرب بأمان أكثر مما في أوروبا.

والكثير من اليهود المغاربة يفضلون الصمت. تؤكد البائعة في متجر ليفياتان للأطعمة الكوشر في الدار البيضاء، والذي يبيع النبيذ الكوشر والوجبات الخفيفة ومنتجات الأسماك، قائلة: "أنا لا أقول شيئًا". ولكن توجد في المغرب أيضًا أصوات يهودية تعبّر بوضوح عن تأييدها للفلسطينيين.

منظر من داخل المتحف اليهودي في الدار البيضاء، 2025صورة من: Claudia Mende

خوف وصمت ونشاط

سيون أسيدون يهودي مغربي عمره 77 عامًا، كان ناشطًا يساريًا معروفًا في المغرب، وكان من مؤسسي منظمة "ترانسبرانسي المغرب" (الشفافية المغربية) وعمل من أجل الحقوق المدنية لعقود من الزمن. ومن نشاطاته الأخيرة تنظيمه احتجاجات في ميناء طنجة ضد نقل قطع غيار طائرات للجيش الإسرائيلي . وفي آب/أغسطس، تعرض أسيدون لإصابة في الرأس في ظروف غامضة، ودخل في غيبوبة لعدة أشهر، وتوفي في بداية تشرين الثاني/نوفمبر. وفي جنازته في المقبرة اليهودية بالدار البيضاء، كان هناك بحر من الأعلام الفلسطينية بجانب تابوت مغطى بغطاء عليه كتابة عبرية. وحول ذلك كتب أحمد بن شمسي، من منظمة هيومن رايتس ووتش، على تويتر: "هذا لا يحدث إلا في المغرب".

قوبل التطبيع مع إسرائيل بالشك لدى قطاعات واسعة من المواطنين، حتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وحرب غزة؛ والكثير من المغاربة يرفضونه رفضًا تامًا. وفي المظاهرات ضد حرب غزة ، وفي الاحتجاجات الشبابية التي خرجت في جميع أنحاء المغرب ونظمها ما يعرف باسم " جيل زد 212 " في نهاية أيلول/سبتمبر، سُمعت أيضًا أصوات تطالب بإنهاء "التطبيع"، أي تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

تجار في عام 1907 أمام الحي اليهودي بمدينة فاسصورة من: Scherl/SZ Photo/picture alliance

الصحراء الغربية كمكسب سياسي

ولكن الملك محمد السادس يتمسك باتفاقيات أبراهام، التي تم الاتفاق ضمن إطارها على تعاون اقتصادي وكذلك عسكري بين البلدين. ,يرجع ذلك إلى حد كبير إلى حقيقة أن الحكومة المغربية حصلت على مكافأة سياسية مهمة مقابل تعاونها مع إسرائيل: فقد اعترفت إدارة الرئيس دونالد ترامب بالمطالب المغربية بالصحراء الغربية . وقد حذت حذو الولايات المتحدة من ذلك الحين العديد من الدول الأخرى .

كوبي يفراح يهودي من أصل مغربي ومؤسس مبادرة "كلنا" التي تعمل من أجل الحفاظ على التراث اليهودي في المغرب، قال لـDW: "المظاهرات ضد إسرائيل لا تخيفني".

وُلد يفراح في ديمونا بإسرائيل، وانتقل قبل عدة أعوام إلى مراكش ، حيث يعيش اليوم. ويقول الإسرائيلي المولد إنَّ "المغاربة لا يعتبروننا إسرائيليين مائة بالمائة، بل ينظرون إلينا على أنَّنا يهود مغاربة".

ومع ذلك فإنَّ اليهود في المغرب يتحركون في بيئة سياسية صعبة. يقول المؤرخ جمال عميار: "الغالبية العظمى من المغاربة اليوم لا يوافقون على استمرار الرباط في الحفاظ على نفس العلاقات مع إسرائيل كما كانت قبل السابع من أكتوبر. هذا ليس انقساماً، بل هوة سحيقة".

من جانبه أكد جاكي كادوش، المتحدث باسم الجالية اليهودية في المغرب، لمجلة أفريكان نيوز أنَّ "المغرب يوجد فيه تعايش حقيقي بين المسلمين واليهود، وهذا التعايش سيتجاوز هذه الأزمة أيضًا".

أعده للعربية: رائد الباش (ع.ج.م)


DW المصدر: DW
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا