أثارت التصريحات العدائية في الأسابيع الأخيرة بين أثيوبيا وأريتريا المخاوف من اندلاع نزاع مسلح بين اليلدين الجارين في القرن الإفريقي.
وأدت مطالب أثيوبيا الدولة الحبيسة بمنفذ لها إلى البحر الأحمر، عبر أريتيريا، إلى حرب كلامية شرسة بين الطرفين.
كان رئيس الوزراء الأثيوبي، أبي أحمد، قال في 2023 إن الوصول إلى البحر الأحمر مسألة وجودية بالنسبة لبلاده. ورفضت أريتريا تصريحاته وقتها.
وعرفت العلاقات بين البلدين فترات من التوتر. فبعد عشر بعد حرب دامت 10 سنوات، حصلت أريتريا على استقلالها، وانفصلت عن أثيوبيا في 1993. وضمت حدودها شريطا ساحليا طوله 1350 كيلومتراً.
وتركت أثيوبيا بلا منف بحري. وبعد 5 سنوات، اندلعت جرب برية بين البلدين قتل فيها 100 ألف شخص.
صرّح أبي وقائد الجيش المارشال بيرهانو زولا صراحة بملكية أثيوبيا لميناء عصب جنوبي أريتريا، على بعد 60 كيلومتر من الحدود. ولمحا إلى رغبتهما في أخذه بالقوة.
وفي الفاتح من سبتمبر أيلول، قال أبي إن "الخطأ" الذي ارتكبته أثيوبيا بتخليها عن المنفذ إلى البحر الأحمر، نتيجة انفصال أريتريا، "سيصحح غدا".
وقال سفير أثيوبيا في كينيا الجنرال المتقاعد باشا ديبيلي، إن عصب كان "ثروة أثيوبيا"، وسيعود إليها "بالقوة".
وقال في تصريح لقناة أديس باراديغم المقربة من الحكومة، يوم 3 سبتمبر أيلول، إن "السؤال ليس إذا كان ميناء عصب لنا، وإنما كيف نستعيده".
وفي 21 سبتمبر أيلول، قال المارشال بيرهانو جولا لجنوده إنهم سيقاتلون دولة منعت أثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر، في إشارة إلى أثيوبيا.
وتساءل، يوم 25 أكتوبر تشرين الأول: "عدد سكاننا اليوم 130 مليون وسيصل عددهم إلى 200 مليون في الـ15 سنة المقبلة. كيف لمصلحة مليونين (إشارة إلى أريتيريا) أن تلغي مصلحة 200 مليون؟".
"سنعزز قواتنا الدفاعية، ونسرع التنمية، ونضمن منذ إلى البحر".
وفي أواخر أغسطس آب، قال مسؤول الدبلوماسية العسكرية، في قوات الدفاع، الجنرال تيشوم غيمويشو إن ملكية أثيوبيا لميناء عصب أصبح "مصلحة بقاء بالنسبة لنا، وسندفع أي ثمن في سبيله".
وقال مسؤول دائرة الهندسة في الجيش، الجنرال دستا أبشي، في اجتماع لكبار الضباط إن الجيش يعمل ليل نهار من أجل ضمان منذ إلى البحر الأحمر".
أمام التهديدات المتكررة، اقتصرت ردود أريتريا على بيانات مقتصبة على موقع أكس، نشرها وزير الإعلام، يمان غبريمسكال.
رفض إصرار أثيوبيا على الوصول إلى البحر الأحمر. ووصفه بأنه مسعى "خطير"، تحركه أطماع "توسعية" .
وحذر وزير الإعلام يوم 16 سبتمبر أيلول من أن محاولة إضفاء الشرعية على "العدوان السافر" ستكون لها تبعات خطيرة على أثيوبيا وجيرانها، وأن ذلك "خط أحمر لا ينبغي تجاوزه".
وفي رد نادر على التهديدات الأثيوبية، حذر قائد الجيش الأريتري في تقيرر يوم 13 نوفمبر تشرين الثاني من أنه على القادة الأثيوبيين أن يتجنبوا الدفع بالشعب إلى مستنقع الحرب.
"مصير كل من يتعدى الخط الأحمر هو أن يهوي إلى جحيم لن تتاح له فرصة الخروج منه".
لا مؤشر على تحركات عسكرية مهمة على الحدود بين البلدين. ولكن التلفزيون الحكومة الأثيوبي بث صورا لتخرج آلاف من الضباط في العديد من مراكز التدريب العسكري.
وقال مدير الموارد البشرية في قوات الدفاع، الجنرال هاشالو شيليمي، في حوار إن الجيش في "وضع جيد"، لأن "عشرات الآلاف من الشباب" ينضمون إليه، وقال إن في ذلك "رسالة لأعدائنا".
ويوم 20 سبتمبر أيلول، أصدر الرئيس الأثيوبي، تايي آتسكي، ترقية 66 من كبار ضباط الجيش بطلب من آبي. وقال تايي بالمناسبة إن جاهزية الجيش الأثيوبي "مكتملة".
ودأب الجيش على استعراض في الأعياد الوطنية على استعراض أسلحته الجديدة، بما فيها المدفعية، والدبابات، والعربات المدرعة.
ولم يصدر حتى الآن أي تعليق علني من أريتريا على تلك الاستعراضات العسكرية.
ولكن أريتريا لها خدمة عسكرية إلزامية يتلقى بموجبها آلاف الرجال والنساء التدريب العسكري كل عام.
ذكرت قناة أستينا المقربة من المعارضة يوم 15 أكتوبر تشرين الثاني، إن الحكومة فرضت قيودا على تحرك الجنود، وأمرتهم بالبقاء في مواقعهم.
تعزز وسائل الإعلام الرسمية في أثيوبيا مزاعم الحكونة أن البلاد "فقدت" موانئها على البحر الأحمر بطريقة "ظالمة" وأن الوقت حان "لاستعادتها".
وتبث قناة إي تي في قبل نشراتها اإخبارية تعليقات على "الفقدان الظالم" لمنافذ البحر الأحمر، وطرق استعادتها.
وبثت قناة إي تي في صورا لمتظاهرين وجنود متخرجين يرفعون لافتات كتبت عليها عبارة "من السد إلى البحر"، في إشارة إلى سد النهضة على نهر النيل، وعبارة "عصب لنا"، أو "عصب لأثيوبيا".
وتقول وسائل الإعلام المحلية إن الحكومة جندت رواد الانترنت لنشر مزاعمها بشأن القضية.
وذكرت وسائل إعلام أثيوبية في الولايات المتحدة يوم 30 ديسمبر كانون الأول أن الحكومة الأثيوبية تستعمل "جيشا إلكترونيا" قوامه 60 ألف شخص للدفاع عنها ضد الانتقادات، ولنشر رسائلها.
نشرت وسائل الإعلام الأريترية الرسمية خاصة التلفزيون تعاليق تتهم أثيوبيا بمحاولة "خداع العالم بالتشكيك في قضايا سويت منذ عشرات السنين".
واتهم التلفزيون في تعليق بثه يوم 11 أكتوبر تشرين الأول الحكومة الأثيوبية بمحاولة إشعال نزاع بين البلدين من خلال "التشكيك في قضية سويت بالقانون نهائيا وإلى الأبد".
وقالت وزارة الإعلام في تعليق يوم 1 نوفمبر تشرين الثاني إنه لا ينبغي لوم أريتريا على المصاعب التي تواجهها أثيوبيا.
ويبدو أن تهديد أثيوبيا بأخذ ميناء عصب دفع ببضع وسائل الإعلام الأريترية في الخارج المعروفة بمعارضتها للحكومة إلى تغيير لهجتها.
ومن بين هذه الوسائل قناة أسينا التي تبث من بريطانيا، إذ دعت مشاهديها والمعارضين الأريتريين إلى نسيان خلافاتهم السياسية والدفاع عن بلادهم.
ونددت إذاعة إرينا التي تبث من باريس والمقربة من العارضة في مارس آذار بتصريحات أثيوبيا المستفزة.
بداية من 1889 ولمدة نصف قرن كان المستوطنون الإيطاليون يديرون أريتريا.
وبعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، انتقلت إدارتها إلى الجيش البريطاني، قبل أن ترتبط بأثيوبيا في فديرالية.
ولكن في 1962، ألغى الإمبراطور هيلي سيلاسي نظام الفديرالية، وأصبحت أريتريا جزءا مندمجا في أثيوبيا.
وأدى ذلك إلى حرب دامت ثلاثة عقود، انتهت بهزيمة أثيوبيا في 1991. ووافق الأثيوبيون على الاستقلال في استفتاء شعبي عام 1993.
وتحسنت العلاقات بين أديس أبابا واسمرة لبعض السنوات في التسعينات. ولكن وقع خلاف على الحدود أجى إلى حرب في 1998.
ووقع الطرفان على اتفاق سلام في 2000، ولكنه لم ينفذ بشكل كامل. وبقي التوتر قائما بينهما إلى 2018 عندما سعى آبي الحوار مع الرئيس الأريتري، أسياس أفورقي. ووقعا إعلان إنهاء الحرب. وإثر ذلك نال آبي جائزة نوبل للسلام.
وتحالفت الحكومتان أثناء الحرب الأهلية الأثيوبية بمنطقة تيغراي من 2020 إلى 2022. ولكن عاد التوتر بين البلدين مرة أخرى.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة