تزداد حدة الخطاب الصاروخي الإيراني في لحظة إقليمية حساسة، تتقاطع فيها ضغوط الملف النووي مع حسابات الاستعداد لجولة صراع جديدة.
فبينما توحي تصريحات المسؤولين الإيرانيين بجهوزية عسكرية متنامية، تبرز في المقابل مؤشرات على ثغرات فعلية في القدرات الدفاعية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما إذا كانت طهران تعوض عبر التصعيد الكلامي ما تخسره في الميدان، أم أنها بالفعل على أعتاب مرحلة عسكرية مختلفة.
تتحدث طهران منذ أسابيع عن تعزيز قدراتها الصاروخية، وسط تزايد التوقعات بقرب صدور قرار جديد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ينتقد سلوكها النووي.
هذا التزامن يدفع إلى قراءة الخطاب الإيراني كجزء من سياسة "رفع السقف" لردع أي سيناريو ضربة عسكرية مرتبطة بالملف النووي.
وزير الخارجية عباس عراقجي أكد أن ترسانة إيران اليوم تفوق بكثير قدراتها خلال حرب الأيام الـ12 مع إسرائيل، بينما اعتبر المتحدث باسم الحرس الثوري العميد علي محمد نائيني أن التجربة الأخيرة أثبتت "خطأ الاعتقاد بأن المفاوضات تمنع الحرب"، مشيرا إلى أن "القوة الصاروخية هي الضامن الوحيد لحماية البلاد".
خلال الحرب الأخيرة، استخدمت إيران بعضا من أكثر صواريخها تطورا: "شهاب 3" متوسط المدى، و"فاتح 110" قصير المدى، و"ذو الفقار" بعيد المدى، غير أن خبراء كثيرين يشككون في قدرتها على إطلاق ألفي صاروخ دفعة واحدة، معتبرين أن هذا الرقم أقرب إلى ردع إعلامي منه إلى قدرة عملياتية فعلية، خصوصا أن طهران لم تتجاوز في أي مواجهة سابقة سقف 200 صاروخ في عملية واحدة.
الملف النووي: توقف التخصيب أم ورقة تفاوض؟
تتخذ الأزمة النووية منحى إضافيا من الغموض، فبينما يؤكد نائب وزير الخارجية سعيد خطيب زاده أن البرنامج النووي "سليم وينبغي حمايته"، يصرح عراقجي في الوقت نفسه بأن تخصيب اليورانيوم "متوقف حاليا بسبب الضربات التي تعرضت لها المنشآت".
إيران، وفق القراءة السياسية، لا تريد إغلاق باب التفاوض مع واشنطن، لكنها أيضا لا تريد خسارة ورقة الردع أمام إسرائيل، لذا تعتمد خطابا مزدوجا، يشمل:
جولة ثانية وسيناريوهات مفتوحة
رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي انتقد تقارير الوكالة الدولية، معتبرا أنها "تتجاهل عدم التزام واشنطن"، داعيا إلى تقييم أداء جميع الأطراف دون استهداف إيران فقط.
وقال مدير مركز الجيل الجديد للإعلام محمد غروي، خلال حديثه لبرنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، إن المنطقة تعيش لحظة شديدة الحساسية بعد حرب إيران وإسرائيل الأخيرة، مؤكدا أن "كل شيء وارد" في ظل ارتفاع منسوب التوتر الإقليمي والتصعيد المستمر بين الطرفين.
وأشار غروي إلى أن إسرائيل تنظر إلى المرحلة الحالية باعتبارها "فرصتها الذهبية" لاستهداف إيران، لاعتقادها بأن طهران فقدت الكثير في الداخل والخارج، وأن الضربة المقبلة يمكن أن تؤدي إلى إسقاط النظام.
واعتبر أن إسرائيل قد تسعى إلى استكمال ما بدأته في حرب 12 يوم عبر هجمات أوسع نطاقا، رغم استبعاد اندلاع حرب شاملة في الوقت الحالي. وأوضح أن الداخل الإيراني مستعد لكل السيناريوهات.
وأكد غروي أن اليوم الأول بعد توقف الحرب شهد جهودا مكثفة لسد الثغرات الأمنية والعسكرية، خصوصا فيما يتعلق بالصواريخ والقادة الذين قتلوا خلال الحرب.
وقال إن إيران أنجزت خلال 4 أو 5 أشهر فقط ما كان يجب أن يستغرق سنتين، مع تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا والصين.
استعداد للضربة الأولى
لفت غروي إلى أن الجانبين يستخلصان الدروس لأي مواجهة مقبلة، لكن إيران ستكون جاهزة لإطلاق الصواريخ الجديدة في اللحظات الأولى إذا تعرضت لهجوم، مع تأمين أماكن آمنة للقيادات العسكرية لضمان سرعة اتخاذ القرار.
وأوضح أن إيران عملت على إغلاق الثغرات التقنية لمنع تكرار سيناريو اختراق مشابه لـ"البيجر" في لبنان، بعد اكتشاف قطعة مستوردة كان يمكن أن تدمر برنامجها الصاروخي بالكامل.
وذكر غروي أن الداخل الإسرائيلي يعيش حالة خوف كبير من مواجهة جديدة بعدما رأى تأثير الصواريخ الإيرانية، إلى جانب رفض شعبي أميركي واسع لأي حرب جديدة بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
وختم حديثه بالتأكيد أن إيران لا تخصب اليورانيوم ولا تمتلك سلاحا نوويا، وأن عقلية القيادة الإيرانية دفاعية وليست هجومية، مشيرا الى أن "الخطر الوجودي لا يهدد إيران وحدها بل إسرائيل أيضا، التي يعاني مجتمعها واقتصادها وجيشها من الإنهاك".
المصدر:
سكاي نيوز