قالت صحيفة لوفيغارو إن دراسة لمعهد إيفوب أظهرت أن المسلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما -على خلاف أجيالهم السابقة- يبدون انجذابا واضحا إلى أكثر أشكال الدين تشددا، مفضلين الشريعة على قوانين الجمهورية.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير حصري بقلم جان ماري غينوا- أن الدراسة التي شملت الفترة الممتدة منذ عام 1989 إلى اليوم، تشير إلى تحول عميق داخل الجيل المسلم الشاب في فرنسا، إذ تكشف عن ارتفاع ملحوظ في الممارسات الدينية الصارمة وفي التعاطف مع التيارات الإسلاموية ، بشكل يفوق بكثير ما كانت عليه الحال قبل 3 عقود.
يقول فرانسوا كراوس، مدير قسم السياسة والشؤون الراهنة في معهد إيفوب، إن "هذه الدراسة ترسم بوضوح صورة مجتمع مسلم يشهد عملية إعادة أسلمة، تتشكل حول معايير دينية متشددة وتزداد انجذابا نحو مشروع سياسي إسلامي".
وتظهر الدراسة -التي أعدت لمجلة "إكران دو فوي"- أن المسلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما يعبرون بشكل متزايد عن هوية دينية قوية تترجم عبر تزايد أعدادهم في المساجد، والالتزام الصارم بصيام رمضان، وانتشار الحجاب ، ورفض الاختلاط، وتفضيل الشريعة على قوانين الجمهورية.
وتدعم بعض الأرقام هذا الطرح -كما تقول الصحيفة- إذ ارتادت فئة الشباب دون 25 عاما المساجد بنسبة ارتفعت من 7% إلى 40% خلال 36 عاما، كما ارتفع بينها الالتزام الصارم بصيام رمضان من 51% إلى 83%، أما ارتداء الحجاب، فزاد من 16% إلى 45% بين الفتيات.
ولا تكتفي الدراسة بتأكيد ارتفاع نسب الالتزام الديني بين الشباب المسلمين -حسب تقرير الصحيفة- بل تلاحظ أيضا أن 42% من هؤلاء الشباب يشعرون بتعاطف مع "الإسلاموية"، مقارنة بنسبة أقل بكثير لدى الأجيال الأكبر سنا، بعد أن كانت نسبة التعاطف 19% فقط لجميع الأعمار.
وتقدم الدراسة أيضا تحليلا دقيقا -حسب لوفيغارو- لانجذاب المسلمين لمختلف التيارات "الإسلاموية"، إذ تحتل جماعة الإخوان المسلمين الصدارة بين الحركات "الإسلاموية" المدعومة، تليها جماعات أخرى مثل السلفية والوهابية و الدعوة والتبليغ ، وإن ظل التعاطف مع الجهادية محدودا.
ويرى المعهد أن هذا الارتفاع في تبني الأطروحات "الإسلاموية" مقلق، لأنه يتعارض مع "الخطابات السائدة عن العلمانية لدى المسلمين الفرنسيين" ولأن نتائجه "تتجاوز أسوأ التوقعات"، كما يقول تقرير الصحيفة.
وتعكس هذه الحركة "الراديكالية" -حسب الصحيفة- ابتعاد الشباب عن الاتحادات الإسلامية التقليدية في فرنسا، رغم جهودها في مواجهة الفكر المتشدد، ويتوقع كراوس أن "تتعزز عملية إعادة الأسلمة والراديكالية مع تجدد الأجيال بدل أن تتراجع"، معتقدا أنها قد تكون "غير قابلة للعكس" لعدم وجود ما يكبحها.
غير أن الدراسة توازن الصورة بملاحظتين، أولاهما أن تصاعد الالتزام الديني بين الشباب ظهر في جميع الديانات في السنوات الأخيرة، وإن كان الإسلام يشهد أعلى نسب، والثانية أن الدراسة كشفت عن أن ارتداء الحجاب والممارسات الدينية تقل نسبيا بعد سن الخمسين، ربما تأثرا بالثقافة العلمانية الغربية.
وتبرز الدراسة نقطة تحول بين عامي 2016 و2019، حين بدأت كل المؤشرات الدينية في الارتفاع بشكل مفاجئ، من الصلاة اليومية إلى الصوم، بالتزامن مع فترة صعود تنظيم الدولة الإسلامية وتأثيره على المشهد الفكري والديني.
وتخلص الدراسة إلى أن 7% من الفرنسيين يعتبرون أنفسهم مسلمين، مؤكدة أن هذا لا يدعم "نظرية الاستبدال الكبير"، لكنه يثير الشك في التزام الجيل المسلم الشاب بقيم الجمهورية الفرنسية، لأن هذا الجيل "يسعى بقوة لإبراز هويته الدينية في مواجهة مجتمع فرنسي يراه معاديا".
ومع أن عدد المسلمين لا يزال محدودا مقارنة ببقية السكان، فإن الدراسة تطرح تساؤلات عن كيفية تفاعل هذا الجيل مع قيم الجمهورية في المستقبل، في ظل تضاؤل تأثير الاتحادات الإسلامية التقليدية وارتفاع جاذبية الخطابات الأكثر صرامة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة