تشهد مالي واحدة من أعقد أزماتها منذ سنوات، إذ تتواصل حرب الاستنزاف التي تشنها الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة وسط حصار خانق مفروض على العاصمة باماكو منذ نحو شهرين، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وانهيار الخدمات الأساسية في البلاد.
وقال الخبير في شؤون منطقة الساحل والصحراء عمر الأنصاري في حديثه لبرنامج "ستديو وان" على قناة "سكاي نيوز عربية" إن "الحصار غير المسبوق الذي تفرضه جماعات متشددة منذ أسابيع أدى إلى نقص حاد في الوقود والغذاء والدواء وتدهور كبير في الأوضاع داخل العاصمة".
حصار خانق واستراتيجية جديدة للقاعدة
وأوضح الأنصاري أن الجماعات المرتبطة بالقاعدة "لا تسعى حاليا إلى إسقاط النظام عسكريا لأنها لا تمتلك القدرة اللوجستية أو العسكرية لذلك، لكنها تعتمد سياسة خنق باماكو من الداخل عبر تجويعها وقطع الإمدادات لإشعال غضب الشارع".
وأضاف: "القاعدة تسعى من خلال هذا الحصار إلى خلق تأثير شعبي قوي قد يؤدي إلى انقلاب عسكري جديد أو انتفاضة داخلية، بما يجعلها طرفا مؤثرا في أي حل سياسي قادم".
وأكد الأنصاري أن باماكو تعيش حالة من الشلل شبه الكامل، إذ "أصبحت الخدمات نادرة جدا، من الكهرباء إلى المواد الأساسية، فيما يعاني السكان من انعدام الأمن وانتشار الاختطافات".
تحرك أميركي متأخر
وأشار الخبير إلى أن الولايات المتحدة دخلت مؤخرا على خط الأزمة في محاولة لإعادة تموضعها في المنطقة، موضحا أن "نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو أجرى محادثة هاتفية مع وزير الخارجية المالي عبدالله ديوب، في مؤشر على تحول في الموقف الأميركي من المجلس العسكري الحاكم في مالي".
وأضاف أن واشنطن، التي كانت تملك قواعد عسكرية في النيجر لمراقبة تحركات الجماعات الإرهابية، "فقدت نفوذها الميداني بعد سلسلة الانقلابات في الساحل"، مما سمح للتنظيمات المتشددة بـ"التوسع بنسبة 500% خلال العام الماضي فقط".
حماية مشروطة
وفي معرض حديثه عن الدور الروسي في مالي، قال الأنصاري إن " المجلس العسكري استبدل حلفاءه الغربيين بروسيا وتركيا والصين"، مشيرًا إلى وجود "نحو 1500 خبير عسكري روسي في باماكو لحماية النظام من السقوط".
لكنه وصف هذا التحالف بأنه "صفقة مكلفة"، مضيفا أن "مالي طردت من كانوا ينفقون عليها – مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي – وجلبت من يجب أن تنفق عليهم"، في إشارة إلى مجموعة فاغنر التي "تتقاضى مبالغ تصل إلى 10 ملايين دولار شهريا مقابل تأمين النظام مقابل منحها امتيازات في مناجم الذهب".
مستقبل غامض
ويرى الأنصاري أن "الوضع في مالي يسير نحو حرب استنزاف طويلة بين النظام والجماعات المتشددة"، مشيرا إلى أن الأخيرة "تحاول تقديم نفسها كنموذج محلي للاستقرار على غرار طالبان، بل إن بعض القرى طلبت من القاعدة حمايتها من الجيش المالي ومن عناصر فاغنر".
وختم حديثه قائلا: "مالي اليوم عند مفترق طرق خطير. النظام العسكري محاصر من الخارج والداخل، والتحالفات الجديدة لم تجلب الاستقرار. أما الجماعات المتطرفة، فهي تكسب الوقت وتتمدّد تحت غطاء أزمة إنسانية خانقة".
المصدر:
سكاي نيوز