في قلب مدينة لا تعرف النوم، تتشكل ملامح اقتصاد جديد يختصر معادلة الثراء والغلاء في مشهد واحد: ازدحام مطاعم النخبة، وصفوف انتظار في الحانات الفاخرة، وارتفاع متواصل في الإيجارات.
وفي حين تعاني الطبقات المتوسطة من تضخم متسارع وضغوط معيشية خانقة، يواصل الأثرياء إنفاقهم بسخاء غير مسبوق، مما يعيد رسم خريطة الاقتصاد المحلي في نيويورك.
وتكشف وول ستريت جورنال أن ما يجري في المدينة ليس ظاهرة محلية فحسب، بل إنه انعكاس مباشر لاتساع الفجوة الطبقية في الاقتصاد الأميركي ككل، إذ أصبح إنفاق الأثرياء المحرك الأول لعجلة النمو، حتى في ظل مؤشرات التحذير من ركود محتمل.
وتشير بيانات الصحيفة إلى أن أعلى 10% من أصحاب الدخل في أميركا شكلوا 49.2% من الإنفاق الوطني في الربع الثاني من عام 2025، وهي أعلى نسبة تُسجّل على الإطلاق. وارتفع إنفاق هذه الفئة بنسبة 4.4% على أساس سنوي، مقارنة بزيادة قدرها 2% فقط لدى بقية السكان.
وفي نيويورك تحديدا، يتجلى هذا التفاوت بوضوح، فمطعم أريتسكيز باترون في مانهاتن يبيع زجاجات الشراب بـ300 دولار وأطباق لحم الضأن بـ75 دولارا، بينما تم حجز قاعاته الخاصة بالكامل حتى نهاية العام.
وتقول المالكة المشاركة ديانا لاين: "نحن ممتنون لأن عملاءنا لا يتراجعون عن الخيارات الراقية رغم حالة الغموض الاقتصادي… لم نعد نفهم تماما الاقتصاد الأميركي".
وتوضح وول ستريت جورنال أن المدينة تضم نحو 34 ألف أسرة يتجاوز دخلها مليون دولار سنويا، منها ألفا أسرة بدخل يتخطى 10 ملايين دولار، إضافة إلى 152 مليارديرا يتخذون نيويورك مقرا أساسيا لأعمالهم.
ويقول نواه تيبربيرغ، الرئيس التنفيذي لمجموعة تاو للضيافة، إن "الأشخاص الذين ينفقون آلاف الدولارات في ليلة واحدة لا يغيرون نمط حياتهم ببساطة"، مشيرا إلى أن إيرادات النوادي الليلية ارتفعت بنسبة 10% خلال عام واحد.
وفي فندق والدورف أستوريا الذي أُعيد افتتاحه حديثا، يتزاحم الضيوف على مشروب مارتيني بقيمة 38 دولارا ووجبات صغيرة بـ28 دولارا، بينما يبلغ متوسط إنفاق نزلاء الفنادق الفاخرة في المدينة 1710 دولارات لليلة الواحدة، وهو الأعلى في أي مدينة أميركية وفقا لشركة كوستار.
ورغم هذا الازدهار المترف، فإن آلاف السكان يعيشون على هامش القدرة الشرائية، فقد ارتفعت الإيجارات بأكثر من 7% خلال عام، بينما تجاوز السعر الوسيط للمنازل 1.2 مليون دولار، وتُشترى نحو ثلثي العقارات نقدا بالكامل.
ويقول ريتش فيراري، الرئيس التنفيذي لفرع دوغلاس إيليمان العقاري في نيويورك، إن "كثيرا من المشترين يستخدمون أموال الصناديق العائلية لشراء الشقق نقدا في المباني الفاخرة"، مضيفا أن بعض الوحدات تُعرض للإيجار مقابل 100 ألف دولار شهريا.
وتصف ريتشيل غلازر، سمسارة العقارات في ترايبيكا، المشهد بقولها: "إنه عالم مواز… هناك أشخاص يكسبون 5 ملايين دولار سنويا ويقولون إنهم لا يستطيعون تحمّل الأسعار".
وبعيدا عن الأبراج الزجاجية، يعيش كثير من الشباب في شقق صغيرة لا تصلها الشمس، فالشابة برايس تشان، خريجة جامعة نيويورك، تدفع 1850 دولارا شهريا -نصف راتبها تقريبا- مقابل غرفة بلا نافذة ولا تكييف.
وتقول إن "علب الحمص من متجر تريدر جوز أصبحت وجبة أساسية"، بينما تدفع 20 دولارا مقابل مشروب بسيط في أي حانة متوسطة.
وفي المقابل، توثّق الشابة إيلي وليامز حياة جيلها عبر مقاطع الفيديو على وسائل التواصل، وتقول إن "العيش في نيويورك يعني أن تخرج، أن تنفق، أن تعيش التجربة… هذه هي الفكرة كلها".
وتؤكد وول ستريت جورنال أن الطبقة الثرية أصبحت العمود الفقري للاقتصاد المحلي، إذ يدفع أعلى 1% من السكان نحو نصف ضرائب الدخل في المدينة.
ومع ذلك، فإن هذا التركّز المفرط للثروة يعمّق الانقسام الاجتماعي ويخلق واقعا اقتصاديا هشا، حيث يعيش من يملكون الثروة في عزلة ترفيهية بينما تتآكل الطبقة المتوسطة.
وتختم الصحيفة بأن نيويورك باتت "رمزا لعصر جديد من الرفاهية المنفصلة عن الواقع"، حيث حتى الأثرياء أنفسهم "لم يعودوا يشعرون بأنهم أثرياء بما يكفي"، في مدينة بات فيها الغلاء معيارا للوجود وليس للترف.
في غضون ذلك، أعلن المرشح الديمقراطي زهران ممداني فوزه بمنصب عمدة نيويورك، وقال إنه سيؤدي رسميا اليمن لتولي مهام عمدة لنيويورك يناير/كانون الثاني المقبل.
وخاطب جمهوره، وسط تصفيق حار، قائلا "لقد منحتموني تفويضا من أجل التغيير ومن أجل سياسة جديدة"، مؤكدا العمل على تحسين أوضاع مدينة نيويورك، لتصبح أفضل مما هي عليه.
وممداني ديمقراطي اشتراكي، وهو أول عمدة مسلم لأكبر مدينة في الولايات المتحدة.
وركز ب رنامج ممداني الاقتصادي في حملته الانتخابية على:
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة