رفضت حركة حماس اتهامات إسرائيل لها بـ"المماطلة" في تسليم جثث رهائن إسرائيليين قُتلوا أثناء احتجازهم في قطاع غزة، بحسب ما ذكرت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة على سير المفاوضات الجارية في القاهرة.
وقالت المصادر، التي تحدثت إلى بي بي سي بشرط عدم الكشف عن هويتها، إن الحركة أبلغت الوسطاء أنها تبذل "قصارى جهدها" لتحديد أماكن الجثث المفقودة، مشيرة إلى أن الدمار الواسع الذي لحق بالقطاع ومقتل عدد كبير من عناصرها الميدانيين ممن كانوا يتولون احتجاز الرهائن، تسبب في فقدان معلومات تتعلق بمواقعهم.
وأضافت المصادر أن حماس "لم تكن تدرك في البداية مدى حساسية مطلب تسليم الجثث بالنسبة لإسرائيل، قبل أن يتضح أن المسألة تمثل شرطاً محورياً في مسار تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار".
وكانت إسرائيل تسلمت في فبراير/شباط الماضي، خلال صفقة تبادل سابقة، جثة تبين لاحقاً أنها لامرأة فلسطينية من غزة وليست للمحتجزة الإسرائيلية شيري بيباس.
وأثار الحادث موجة انتقادات داخل إسرائيل، حيث قال نتنياهو حينها، إن "حماس قدمت جثمان امرأة فلسطينية في تابوت، بدلاً من جثمان شيري بيباس"، مضيفاً أن حكومته ستعمل على إعادة جميع الرهائن، "سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً".
وبحسب مصدر دبلوماسي مصري، فإن المحادثات المستمرة اليوم في القاهرة تناقش حالياً، بالإضافة لأزمة الجثث، الترتيبات المستقبلية لإدارة قطاع غزة، وتشكيل قوة شرطة فلسطينية جديدة، ونزع سلاح الفصائل، وهي خطوات وصفها الوسيط القطري بأنها "معقدة".
وفي المقابل، قالت متحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية إن بلادها تتوقع من حماس إعادة الرهائن المتبقين إلى إسرائيل.
وأضافت خلال مؤتمر صحفي، "حماس… مطالبة بالوفاء بالتزاماتها مع الوسطاء وإعادة جميع رهائننا في إطار تنفيذ الاتفاق (الخاص بوقف إطلاق النار في غزة)".
وأردفت قائلة "لن نساوم على هذا، ولن ندخر جهدا حتى يعود رهائننا الذين سقطوا واحدا تلو الآخر".
وبموجب الاتفاق، الذي لعب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دور الوساطة في التوصل إليه، كان من المقرر أن تسلّم حماس جميع الرهائن، الأحياء منهم والأموات، في غضون 72 ساعة على دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.
وبعدما أفرجت عن جميع الرهائن العشرين الأحياء في الوقت المحدد، تسلّمت إسرائيل بحلول مساء الثلاثاء رفات ثمانية فقط من 28 رهينة لقوا حتفهم.
ويُعتقد أن عشرين جثة أخرى لا تزال في غزة.
لكن الجيش الإسرائيلي قال إن الجثة الرابعة التي سلمتها حماس، أمس، لا تتطابق مع أي من الرهائن الإسرائيليين، وذلك بعد "استكمال الفحوص في معهد الطب العدلي".
وطالب الجيش في بيان، حماس، ببذل الجهود المطلوبة كافة لإعادة جميع جثث الرهائن.
وأفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن الجثة الرابعة التي أعادتها حماس أمس تعود لمواطن من غزة وليست لمحتجز إسرائيلي.
وجرى التعرف على هوية ثلاثة من رفات الرهائن الإسرائيليين الأربعة الذين أعادتهم حماس مساء الثلاثاء في غزة، وذلك بعد تأكيد صادر عن المعهد الوطني للطب الشرعي.
المتحدث باسم حركة حماس، حازم قاسم، قال إن الحركة "تتابع تنفيذ ما اتُفق عليه في موضوع تسليم جثث الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى كتائب القسام ضمن التزامها باتفاق وقف الحرب على قطاع غزة".
وأكد قاسم في بيان مقتضب، أن "الاحتلال ارتكب خرقاً واضحاً لاتفاق وقف الحرب بقتله المدنيين في الشجاعية ورفح"، داعياً الوسطاء إلى "إلزام الاحتلال بتعهداته الواردة في الاتفاق".
في غضون ذلك، قالت مصادر مصرية وفلسطينية مطّلعة، لبي بي سي، إن حركة حماس تواجه صعوبات في استخراج رفات الرهائن الإسرائيليين الذين قُتلوا أثناء احتجازهم داخل القطاع.
وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن تأخر عملية استخراج وتسليم الجثث يعود إلى وجود بعضها في مواقع غير معروفة، نتيجة انهيار عدد من الأبراج السكنية خلال الحرب، إضافةً إلى مقتل عناصر من الوحدات الخاصة التي كانت تتولى تأمين تلك الجثامين، ما أدى إلى فقدان قنوات الاتصال والمعلومات حول أماكنها.
وأشار مصدر مصري إلى أن الفرق الفنية تدرس سبل تسريع عمليات البحث والاستعادة، مؤكداً مشاركة فرق وآليات مصرية وقطرية في أعمال رفع الأنقاض والبحث داخل القطاع.
وقال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كريستيان كاردون، إن تسليم جثث الرهائن والمعتقلين الذين قُتلوا في الحرب سيستغرق وقتاً طويلاً ويمثل تحدياً هائلاً، مشيراً إلى أن الدمار الواسع في غزة يجعل عملية العثور على الجثث "شديدة التعقيد"، مضيفاً أن "هناك احتمالاً بعدم العثور على جميع الجثث".
هذا، وسيُسمح لسكان غزة الذين غادروه خلال الحرب بالعودة إلى القطاع للمرة الأولى، وسيُسمح لآخرين بالمغادرة عبر معبر رفح، وذلك بعد الحصول على موافقة أمنية إسرائيلية، وفقاً لهيئة البث.
ميدانياً، أفاد مراسل بي بي سي في القدس، مهند توتنجي، بأن معبر رفح لن يفتح اليوم الأربعاء، وذلك بعدما قالت هيئة البث الإسرائيلية إن إسرائيل تعتزم إعادة فتحه.
وقال مراسل بي بي سي، إن "معبر رفح لن يفتح اليوم وإنما سيتم استمرار العمل والتحضير لفتحه دون تحديد إطار زمني لذلك، ومبرر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هو عدم القدرة على فتحه بشكل فوري بسبب الوضع الميداني".
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن الاستعدادات لفتح معبر رفح مستمرة، لكنها لم تكتمل بعد.
وكانت هيئة البث قالت إن إسرائيل قررت إلغاء عقوبات كانت تعتزم فرضها على حماس، بعدما سلمت الحركة أربع جثث إضافية الليلة الماضية بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيّز التنفيذ الجمعة.
وكان من المقرر إعادة فتح المعبر اليوم كما هو مخطط، مع السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث من المتوقع دخول 600 شاحنة مساعدات، وفقاً لهيئة البث.
وقبل ذلك، هددت إسرائيل بعدم إعادة فتح المعبر الذي يربط القطاع مع مصر، إلى جانب تقليص عدد شاحنات المساعدات الإنسانية المسموح لها بدخول غزة إلى النصف، لمعاقبة حماس على ما وصفته إسرائيل بانتهاك الاتفاق.
ودعت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة إلى إعادة فتح المعبر، في وقتٍ تواجه غزة أزمة إنسانية حادّة بعد الحرب التي استمرت عامين.
وفي نهاية أغسطس/آب، أعلنت الأمم المتحدة المجاعة في غزة.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية أفادت بأن قرار إعادة فتح معبر رفح للسماح بعبور المساعدات اتُّخذ أيضاً بعدما أُبلغت إسرائيل بنِيّة حماس إعادة رفات أربع رهائن آخرين الأربعاء، وهي خطوة لم تؤكدها الحركة بعد.
وفي السياق، أعلنت السلطة الفلسطينية جاهزيتها لتشغيل المعبر.
وأفادت وزارة الصحة في غزة أن مستشفيات القطاع استقبلت 25 قتيلاً بينهم 16 انتشلت جثثهم، و35 إصابة خلال 24 ساعة ماضية، رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وارتفعت حصيلة قتلى الحرب إلى 67,938 وعدد المصابين بلغ 170,169 وذلك منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق الوزارة.
ومع دخول وقف إطلاق النار يومه الخامس الثلاثاء، عززت قوات الأمن التابعة لحماس انتشارها في شوارع مدن قطاع غزة، لـ "الحفاظ على الأمن والنظام"، ونفذت عمليات إعدام بحق أشخاص قالت إنهم عملاء.
ونشرت قناة الأقصى التابعة لحماس مقطع فيديو يظهِر إعدام ثمانية رجال مقيّدي الأيدي ميدانياً في مدينة غزة، قدّمتهم على أنهم "عملاء وخارجون عن القانون"، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.
وأكد بيان صادر عن القيادة المركزية لتحالف القوى الفلسطينية نشرته حماس عبر تيلغرام، "دعمنا الكامل للخطوات المتخذة بحق المجرمين واللصوص والمتجاوزين للقانون، وخصوصاً أولئك الذين يثبت تعاونهم مع الاحتلال الصهيوني أو يتورطون في زعزعة الجبهة الداخلية"، مشدداً على "ضرورة محاسبتهم وفق القانون بما يضمن الحفاظ على وحدة شعبنا وكرامته".
وأدانت السلطة الفلسطينية ما وصفته بعمليات "الإعدام الميدانية" التي نفذتها حماس خلال الأيام الأخيرة في قطاع غزة، مؤكدة أنها جرت خارج نطاق القانون ودون محاكمات عادلة.
وفي الضفة الغربية المحتلة، قال مكتب إعلام الأسرى التابع لحركة حماس إن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي تعرّض للاعتداء بالضرب من قبل قوات إسرائيلية أثناء نقله من سجن ريمون إلى سجن مجدو في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
وأوضح المكتب في بيان عبر تلغرام، أن "ثمانية عناصر من وحدة نحشون الإسرائيلية شاركوا في الاعتداء، ما أدى إلى فقدان البرغوثي الوعي وإصابته بكسور في أربعة من أضلاعه".
والبرغوثي، أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، يُعد من أبرز القيادات الفلسطينية المعتقلة في السجون الإسرائيلية، حيث يقضي خمسة أحكام بالسجن المؤبد و40 عاماً إضافية، بعد إدانته بالمسؤولية عن هجمات أدت إلى مقتل إسرائيليين.
وفي نفس السياق، نفّذت القوات الإسرائيلية، فجر الأربعاء، حملة مداهمات واعتقالات واسعة في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، استهدفت منازل عدد من عائلات السجناء الذين أطلق سراحهم ضمن صفقة التبادل الأخيرة.
ففي مدينة رام الله، اقتحمت قوة كبيرة من الجيش الإسرائيلي مخيم قدورة، وداهمت منازل المعتقلين المُبعَدين عماد وجهاد الروم ومحمد الصعيدي ورائد أبو الظاهر ورمزي عبيد، حيث حذرت عائلاتهم من إقامة أي مظاهر استقبال أو احتفال.
كما امتدت المداهمات إلى مدينة بيت لحم ومخيم الدهيشة، وبلدة كفر عقب شمال القدس، وبلدة قباطية جنوب جنين، وسط انتشار عسكري كثيف.