رغم أن الفضاء الرقمي في أميركا يعج بملايين صناع المحتوى من جميع التوجهات والخلفيات وعلى مختلف المنصات، فإن المؤثر ذا الأصول التركية حسن بايكر استطاع في مدة قصيرة أن يصبح نجما يُنظر إليه على أنه يمثل صوت اليسار الأميركي.
يقضي حسن بايكر (34 عاما) ساعات طويلة على الهواء مباشرة عبر منصتي تويتش ويوتيوب، ويتفاعل مع الملايين من متابعيه حول قضايا شتى تبدأ من الألعاب الإلكترونية والرياضة إلى قضايا سياسية شائكة مثل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والسياسة الخارجية الأميركية.
من أستوديو في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا غربي الولايات المتحدة ، يطل بايكر على المشاهدين بكل عفوية وبمظهر خال من أي تكلف، ويبدأ فترة بث تمتد سبع ساعات يوميا تتخللها فترات استراحة قصيرة جدا دون أن ينقطع البث.
أمام جمهور من جيل الشباب، لا يخفى بايكر، بروح دعابة عالية، حبه للأسلحة والتمارين الرياضية، وأثناء البث يتناول المكملات الغذائية وينتقل بسلاسة من التعليق على وقائع الحياة اليومية العادية إلى تحليل الأحداث السياسية الساخنة.
وفي بثّه المباشر، غالبا ما ينتقل من الحديث عن المواعدة أو الألعاب الإلكترونية أو التمارين الرياضية إلى التعبير عن دعمه للطبقة العاملة وحق المواطنين في الرعاية الصحية الشاملة.
ورغم أنه محسوب على اليسار، فإن الحزب الديمقراطي لا يسلم أحيانا من انتقاداته التي تطال كل ما هو محسوب على اليمين وخاصة وجوهه البارزة من كوميديين ومؤثرين وساسة.
وبسبب تلك الجماهيرية الواسعة أصبح بايكر يوصف بأنه جو روغان اليساري، في إشارة إلى مُقدم البودكاست والكوميدي الأميركي الشهير الذي يقدم برنامج "تجربة جو روغان"، وهو من أشهر برامج البودكاست في العالم، وأكثرها متابعة على منصة سبوتيفاي منذ عام 2020.
وخلافا لبودكاست جو روغان الذي يتضمن عادة مقابلات مع ضيوف يناقشون قضايا سياسية، فإن بايكر غالبا ما يكون على الهواء منفردا، رغم أنه استضاف في إحدى الحصص السيناتور اليساري بيرني ساندرز والنائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز من نيويورك .
ولا يتفق بايكر مع مقارنته بجو روغان، ويقول إن ما يفعله مختلف تماما عن نظيره المحسوب على التيار اليميني، ويؤكد أن شخصيته مبنية على اهتمامات حقيقية باللياقة البدنية وألعاب الفيديو والثقافة والأناقة والسياسة منذ أن كان طالبا في جامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي ، التي رأي فيها النور عام 1991 لوالدين من تركيا وهما أستاذان جامعيان.
وترعرع بايكر في تركيا لكنه عاد إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراساته، وتخرج عام 2013 بشهادة مزدوجة في التواصل والعلوم السياسية، وانتقل في العام نفسه من شرق البلاد إلى غربها واستقر في لوس أنجلوس.
وحصل بايكر هناك على وظيفة في قسم مبيعات الإعلانات في "ذا يونغ توركس" (الأتراك الشباب)، وهي شبكة إخبارية إلكترونية تقدمية أسسها عمه الخبير الإعلامي سينك أويغور.
وبعد سنوات قليلة أراد بايكر أن يؤسس مشروعا خاصا به، وفي عام 2016 أطلق سلسلة فيديوهات على فيسبوك ، تقدم تحليلات سياسية مستهدفا الجمهور ذي الميول اليسارية.
وقد لاقت انتقاداته اللاذعة لقرارات الرئيس دونالد ترامب بشأن الهجرة في ولايته الأولى (2017-2021) نجاحا كبيرا، وأنشأ لاحقا قناة على منصة تويتش، وبدأ البث المباشر بشكل متقطع.
في البداية كانت وتيرة بثه بطيئة ولم يتجاوز عدد مشاهدي البث الأول 35 مشاهدا، ولكن مع مرور الوقت بدأ يظهر في برامج بث مباشر أخرى ويتعاون مع زملائه من منشئي المحتوى، مما ساعده على توسيع قاعدة جمهوره. وبحلول عام 2019، كان يبث لساعات متواصلة بشكل يومي كانت تصل أحيانا إلى 10 ساعات.
وحقق بايكر رقما قياسيا في ساعات البث خلال متابعته الانتخابات الرئاسية عام 2020 حيث لم يتوقف البث يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني طيلة 16 ساعة وحصد في ليلة الانتخابات أكثر من 4.5 ملايين مشاهدة.
ولا تخفي إدارة منصة تويتش إعجابها بالمحتوى الذي يقدمه بايكر، وتقول سارة كليمنس الرئيسة التنفيذية للعمليات في تويتش إن بث بايكر كان مثالاً على كيفية تنويع محتواها ليتجاوز ألعاب الفيديو ويصل إلى جمهور تويتش "الأساسي": جيل الألفية وجيل زد .
ويفوق عدد متابعي بايكر حاليا 6 ملايين، موزعين على الشكل التالي: 3 ملايين متابع على تويتش، و1.7 مليون على يوتيوب، و1.6 مليون على إنستغرام .
وعن سر جماهيريته الكاسحة، يقول المعلق السياسي التقدمي إن الناس يقبلون على برنامجه "لأنهم يريدون سماع وجهة نظر صادقة" حول كل المواضيع.
ولا يخفي بايكر أن من بين أهدافه من البث على تويتش هو ترميم صورة اليسار كما هي رائجة في الأخبار، وذلك انطلقا من اعتقاد أن التقدميين في الولايات المتحدة يعانون من مشكلة الصورة النمطية بسبب معالجة المؤسسات الإخبارية لشؤون اليسار.
وفي حديث مع نيويورك تايمز ، يوضح بايكر فكرة وأسلوب برنامجه بالقول إنه متميز من بين مذيعي المحتوى على تويتش، لأنه لا يكتفي بألعاب الفيديو، بل يغطي الشؤون السياسية ويقدم بعض المواد الإخبارية من مصادر متنوعة وأحيانا غير مألوفة.
ويضيف أن أسلوبه مبني على الحضور الدائم على الشاشة وعلى التعليق المباشر على المواضيع أو قراءة مقال والتعليق عليه، أو تحليل محتوى قنوات تلفزيونية، وكل ذلك مع الحرص على مصداقية المعلومات التي يقدمها.
وفي هذا الصدد، يقول "جزء كبير من عملي، وخاصةً في عصر الإنترنت، هو غربلة المعلومات المضللة. لذا، أراجع كل شيء فورا وأحاول غرس ثقافة إعلامية لدى الجمهور، وأشرح ذلك وأنا أُرافقه في رحلة قراءة الأخبار".
وعن توجهاته السياسية، يقول بايكر إنه يدافع عن نظام مبني على العدالة الاجتماعية والديمقراطية بما يضمن استقلالية المواطن العادي ويمنحه المزيد القوة والسلطة في مكان عمله وفي العملية السياسية.
وعلى الصعيد العالمي، يدعو بايكر إلى تقليص الإمبريالية وخفض الحروب التي تخوضها أميركا، والعمل بدل ذلك على مساعدة الناس في البلدان الأخرى ولكن بطريقة ذات معنى، دون التدخل بالقوة لتغيير أنظمتها السياسية الحاكمة.
ولا يحصر بايكر حديثه على الولايات المتحدة، بل يؤكد أن التحول يجب أن يشمل السياسة العالمية برمتها لأن الوقت في نظره قد حان لظهور بديل للرأسمالية التي استنفدت وظيفتها بعد أن قضت على الأنظمة الإقطاعية والملكية.
ولا يخفي بايكر اعتقاده بأن التحرك في اتجاه الاشتراكية سيكون بداية رائعة في ذلك الاتجاه في أفق التخلص من نظام لا يستفيد منه حاليًا سوى عدد قليل جدًا من الناس، وإحلال نظام يستفيد منه أكبر عدد ممكن من الناس.
وتصنف نيويورك تايمز بايكر بأنه ماركسي ومعاد للإمبرالية، ويؤمن بأن تغيير نظام ما يستغرق وقتا طويلا، ويدعو بالتالي للحفاظ على ما سماه التفاؤل الثوري وعدم الاستسلام للعدمية.
لا يفوت بايكر أي فرصة لانتقاد السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط ، ويوُصف أحيانا بمعاداة أميركا خاصة بعد أن قال إن البلاد "تستحق" هجمات 11 سبتمبر /أيلول 2001.
وبسبب تصريحات كثيرة قال فيها إن إسرائيل ترتكب " إبادة جماعية " في قطاع غزة، وهجومه اللاذع على الحركة الصهيونية ، يصفه العديد من مؤيدي إسرائيل بأنه معاد للسامية، وهو ما ينفيه طبعا.
وفي هذا الشأن يقول "أنا معاد للصهيونية صراحة. لقد قضيتُ مسيرتي المهنية بأكملها في مكافحة معاداة السامية التي تفاقمت في هذا البلد أيضا. ومع ذلك، أعتقد أن العديد من هذه المنظمات، وكثيرين من الناس، شوّهوا سمعتي زورًا واتهموني بمعاداة السامية، رغم مناصرتي لمناهضة معاداة السامية".
وعلى خلفية أحدث التطورات السياسية في البلاد أبدى بايكر مخاوفه من أن تتأثر أوضاع حرية التعبير والصحافة من تداعيات اغتيال تشارلي كيرك ، المؤثر اليميني المقرب من الرئيس دونالد ترامب، في إطلاق نار في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي.
وحسب نيويورك تايمز، فإن هناك أنباء عن ملاحقة المؤسسات والمنظمات التي يشتبه في دعمها للتطرف السياسي أو التحريض على العنف، ولا يستبعد أن يستدعي الكونغرس الرؤساء التنفيذيين لتويتش وديسكورد وريديت للإدلاء بشهاداتهم في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويقول بايكر إنه لا يريد أن يرى الولايات المتحدة تسجن المعارضين السياسيين والصحفيين، وعزا مقتل كيرك إلى تفشي ثقافة العنف في الولايات المتحدة إلى درجة أنه أصبح أمرا طبيعيا بفعل تدخل الكثير من ذوي المصالح وخاصة مصنّعي الأسلحة.
وكان متوقعا أن يخوض حسن بايكر وتشارلي كيرك مناظرة مفتوحة في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، لكن اغتيال الأخير أدخل البلاد في أجواء من الشكوك والخوف بشأن مآل حرية التعبير والصحافة.