نشر موقع "إندبندنت التركية" مقالا يتناول جذور الأزمة في منطقة لاداخ الهندية وألقى الضوء على الاحتجاجات التي جرت هناك قبل أسبوع، والتي توحد فيها المسلمون والبوذيون ضد الحكومة الهندية، في مشهد وصفه المقال بالنادر.
شهدت منطقة لاداخ، شمال شرق الهند ، يوم الأربعاء 24 سبتمبر/أيلول المنصرم أسوأ موجة عنف في تاريخها الحديث، إذ قُتل 4 أشخاص وأصيب أكثر من 80 بينهم عناصر من الشرطة، وذلك بعد أن تحولت المظاهرات السلمية إلى مواجهات دامية.
أوضحت كاتبة المقال الدكتورة دويغو تشاغلا بايرام أن جذور أزمة لاداخ تعود إلى إلغاء نيودلهي الوضع الخاص لجامو وكشمير عام 2019، وما تبعه من غياب الضمانات الدستورية لسكان الإقليم.
وأضافت الكاتبة التركية أن البطالة وغياب التمثيل السياسي زادا من الاحتقان الشعبي، مشيرة إلى أن الاحتجاجات السلمية تحولت مؤخرا إلى مواجهات عنيفة.
وترى الكاتبة أن وحدة الصف بين منطقتي ليه (أغلب سكانها بوذيون) وكارغيل (أغلب سكانها مسلمون) رغم اختلافهما الديني، تعكس حجم الغضب المتصاعد ضد الحكومة المركزية.
وتشير بايرام إلى أن جوهر هذه الاحتجاجات يتمثل في مطلبين رئيسيين: تحويل الإقليم إلى ولاية اتحادية كاملة، ومنح سكانه ضمانات دستورية خاصة تحفظ لهم حقوق الأرض والعمل والتمثيل السياسي.
فمنذ إلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير عام 2019، خرج آلاف السكان في مسيرات سلمية، وقاموا بإضرابات عن الطعام، مطالبين بسلطة محلية منتخبة تدير شؤونهم بدلا من الحكم المباشر من نيودلهي.
وتضيف بايرام أن الشرارة الأولى لما يجري اليوم تعود إلى أغسطس/آب 2019، عندما ألغت حكومة ناريندرا مودي (حزب بهاراتيا جاناتا ) المادة 370 من الدستور التي منحت جامو وكشمير وضعا خاصا.
وقَسم ذلك القرار المنطقة إلى كيانين إداريين يخضعان مباشرة لنيودلهي، وسط إجراءات أمنية مشددة شملت فرض حظر للتجوال وقطع الإنترنت واعتقال مئات السياسيين.
وبينما شهدت جامو وكشمير حينها مواجهات دامية واضطرابات، كان المشهد مختلفا في لاداخ.
فبالنسبة للكثير من سكانها، مثّل الانفصال عن جامو وكشمير فرصة طال انتظارها، إذ كانوا يطالبون منذ عقود باعتراف خاص يضمن لهم التمثيل السياسي المباشر وحماية الهوية الثقافية والبيئية الهشة، من خلال إدراج الإقليم في الجدول السادس من الدستور الذي يمنح صلاحيات واسعة للمجتمعات القبلية في شمال شرق الهند.
وتقول الكاتبة إن ما بدأ بتفاؤل محدود سرعان ما تحول إلى خيبة أمل. فغياب إدراج لاداخ ضمن الجدول السادس جعل السكان يشعرون أن أراضيهم وحقوقهم باتت عرضة للتهديد.
كما فاقم الوضع معدلات البطالة بعد فصل لاداخ عن جامو وكشمير، وخسر آلاف الشباب إمكانية الحصول على فرص عمل في الإقليم الموحد سابقا.
وذكرت الكاتبة أن 6 سنوات من الوعود غير المنجزة دفعت الشارع في لاداخ إلى الانفجار؛ فقد بدأت الاحتجاجات سلمية عبر مسيرات واعتصامات وإضرابات. وعكَس اجتماع المسلمين والبوذيين، حجم القلق المشترك من غياب الحلول.
ووفق الكاتبة، فإن المفاوضات المتكررة مع الحكومة لم تُفض إلى نتائج ملموسة. حتى اللقاء الذي جمع ناشطين مع وزير الداخلية أميت شاه في نيودلهي انتهى بخيبة أمل، وإعلان جولة رابعة من المحادثات في أكتوبر/تشرين الأول لم ينجح في تهدئة الأوضاع.
ومع مرور الوقت برز دور الشباب -خاصة من فئة "جيل زد"- الذين انتقلوا من تنظيم الاعتصامات إلى مواجهات مباشرة مع قوات الأمن. فقد شملت الاحتجاجات الأخيرة أعمال عنف مثل حرق حافلة تابعة لقوات الاحتياط شبه العسكرية، وهو ما استدعى ردا أمنيا عنيفا شمل استخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية وأسفر عن قتلى وجرحى.
وتضيف الكاتبة أن حكومة بهاراتيا جاناتا بقيادة ناريندرا مودي تبنّت موقفا حذرا. فقد أكدت أمام البرلمان والمحكمة العليا أن "وضع الولاية" سيُعاد إلى جامو وكشمير، وهو ما تُرجم في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت بعد 11 عاما من الغياب، لكن لاداخ لم ترد في هذه الوعود إطلاقا.
وأفادت الكاتبة أن العامل الجيوسياسي يلعب دورا كبيرا في تردد الحكومة المركزية الهندية في منح لاداخ وضع "ولاية اتحادية"، لأن موقعها على الحدود المتنازع عليها مع الصين قد يؤدي إلى تقليص قدرة الحكومة المركزية على إدارة المشاريع العسكرية والبنية التحتية الإستراتيجية التي تُعتبر أساسية في مواجهة التحديات الصينية.
وترى الكاتبة أن الحل في المدى القريب يبدو مستبعدا. فالتوتر المستمر مع الصين على الحدود يجعل نيودلهي بحاجة دائمة إلى سيطرة كاملة وغير مقيدة على لاداخ، خاصة في ما يتعلق ببناء الطرق التي تسهّل حركة القوات وتتيح مراقبة التحركات الصينية.
وفي ظل هذه المعادلة، فإن منح لاداخ وضع "ولاية اتحادية" مستقلة يصبح أكثر تعقيدا، ولا سيما إذا لم يتمكن حزب بهاراتيا جاناتا أو أحد حلفائه الموثوقين من ضمان السيطرة على أي انتخابات محلية محتملة.
وتحذّر الكاتبة من أن استمرار تجاهل المطالب الشعبية قد يدفع المحتجين إلى تنظيم مزيد من المظاهرات للضغط على الحكومة، وهو ما قد يفتح الباب أمام موجات عنف متزايدة.